وطنٌ في الغربة
وطنٌ في الغربة
إن الأصدقاء بحق هم وطنٌ في الغربة، وأنسٌ وعون، لذا يحسُن بالمغترب أن يحرص على صحبة طيبة، وألا يدع نفسه وحيدًا، وكان لـ”عبد المحسن” أصحابٌ كثر في نفس المدينة، وفي ولايات أخرى كذلك، كثير منهم مبتعثون للدراسة أيضًا، وكانوا يتبادلون الزيارات ويتعاونون في حل المشكلات، وكانت “أمل” سعيدة بصداقتها مع زوجات الطلاب المبتعثين زملاء زوجها، وبصداقاتها مع عددٍ من الأمريكيات المسلمات أيضًا، لقد كانت صحبة سيشق عليهما وداعها بلا شك.
كان يواجه “عبد المحسن” وأصحابه مشكلتين؛ الأولى أنهم لا يحافظون على صلاة الجماعة دائمًا، لأن الظروف لا تسمح بهذا، والثانية أنهم لا يلتقون كثيرًا ولا يجمعهم مكان، وكان بناء مسجد في المنطقة حلًّا لهاتين المشكلتين، يكون مكانًا للصلاة وللدروس وملتقى لهم، وكان مشروع إنشاء مسجد يدور في بال “عبد المحسن” وصار أكثر حنينًا إليه وإصرارًا على تنفيذه بعد حضوره لقاءً إسلاميًّا في كاليفورنيا، ولكن ما كان يؤرقه أنه لا يملك التمويل اللازم لذلك.
فبدأ يتواصل “عبد المحسن” مع أصحابه بحثًا عن حل، إلى أن أخبره أحدهم عن رجل عربي يعرفه، وهو غني محسِن يزور الولايات المتحدة من أجل العلاج، فاصطحب “عبدَ المحسن” إليه لعله يساعدهم على بناء المسجد، فوافق ذلك الرجل من فوره، مشترطًا فقط أن تكون هناك حاجة حقيقية إلى المسجد لئلا يُترك بيت الله مهجورًا، وقال لصاحبنا إنه ليس عليه أن يتردد في أعمال البر، وإنه لا يسأل شيئًا لنفسه فلا تمتهن كرامته لأنه يسأل لله، وبعد وقتٍ غير طويل، شهدت تلك المدينة بناء أول مسجد فيها ليجمع المسلمين من العرب والأمريكيين وغيرهم.
وهكذا كانت حياة “عبد المحسن” الشاب المسلم في الغربة، حيوية ونشاطًا ومبادرة بين الدراسة العلمية المتخصصة وعلاقات اجتماعية وأنشطة ثقافية، يشتاق إلى بلده لكن يُصبِّره أنه في سعي متواصل نحو هدفه، ويعينه أنه يألف الحياة التي صنعها هو.
الفكرة من كتاب دفء الليالي الشاتية
في الغربة، يواجه الناس تحديات مختلفة تُختبر فيها قيمهم ومبادئهم، وفي هذه الرواية التي كُتبت عام 2002 يوجِّه الكاتب بعض الرسائل إلى الشباب الذين يواجهون تحديات الغربة من خلال مواقف ويوميات الشاب السعودي “عبد المحسن” الذي سافر مع أسرته الصغيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية مبتعثًا للدراسات العليا.
مؤلف كتاب دفء الليالي الشاتية
عبد الله بن صالح العريني: أستاذ جامعي وكاتب وباحث سعودي، ولد في الرياض عام 1954، يعمل أستاذ دراسات عليا في قسم البلاغة والنقد ومنهج الأدب الإسلامي في كلية اللغة العربية بجامعة الإمام، وهو عضو الجمعية العلمية السعودية للغة العربية، وعضو في رابطة الأدب الإسلامي العالمية أيضًا.
له العديد من الأعمال الروائية والقصصية منها: “مهما غلا الثمن” و”أشياؤهم الصغيرة” و”النار الباردة.. قصة إبراهيم (عليه السلام)” و”حدائق الصبر.. قصة أيوب (عليه السلام)” و”السفينة والطوفان.. قصة سيدنا نوح (عليه السلام)” و”صلاة في بطن الحوت.. قصة يونس (عليه السلام)”، وأعمال أخرى مثل: “الاتجاه الإسلامي في أعمال نجيب الكيلاني القصصية” و”شعر جهاد الروم في موازين النقد الأدبي” و”أدر حياتك.. قبل أن تديرك الحياة”.