وضع الشيء في موضعه
وضع الشيء في موضعه
في بعض المواقف يستلزم الغضب والتشديد وذلك لخطورة الخطأ وعظمته، مثل تلك الأخطاء المتعلِّقة بالاعتقاد أو صحة التوحيد أو في القرآن الكريم، ففي قصَّة لعُمر بن الخطَّاب (رضي الله عنه) أتى النبي ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي ﷺ فغضب، فقال: “أمتهوِّكون فيها يا ابن الخطَّاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيَّة، لا تسألوهم عن شيء، فيخبروكم بحق، فتكذِّبوا به، أو بباطل فتصدِّقوا به، والذي نفسي بيده لو أن موسى ﷺ كان حيًّا ما وسعه إلا أن يتَّبعني”.
فإن انفعال المُربِّي المتوازن مع الخطأ بحيث يُرى ذلك في وجهه ويُعرَف من صوته وأسلوبه هو علامة حياة في القلب ضد المنكر، فتقع الرهبة في قلوب الحاضرين من ذلك الخطأ، هذا بخلاف كتم الأمر أو تأخيره فربما يبرد، ويزول أثر التعليق، وقد يكون من الحكمة تأخير التعليق على الحادثة المنكرة إلى حين اجتماع الناس لأجل أهمية الأمر، أو التولِّي عن المخطئ وترك جداله لعلَّه يراجع نفسه، ولكلِّ موقف ما يوافقه من التصرُّف المناسب.
وإذا ما وجد المُربِّي المشاحنة بين المتنازعين أو بين الأفراد فعليه هو أن يلتزم الهدوء، وإذا تصاعد الأمر إلى التخاصم فسرعة دخوله لتسكين الثائرة ونزع فتيل الفتنة بين المخطئين هو شيء مطلوب، وهذا ما فعله النبي ﷺ حين قام على المنبر لإزالة النزاع بين الأوس والخزرج، تقول السيدة عائشة (رضي الله عنها) في وصف حال النبي ﷺ: “فلم يزل رسول الله ﷺ يخفضه، حتى سكتوا وسكت”.
ومن الضروري قبل توجيه المُخطئ أن يستعلم المُربِّي عن السبب الذي دفعه للخطأ، لأنه قد يُغيِّر في موقفه، وكانت من أساليبه ﷺ “هجر المخطئ” خصوصًا إذا عظم الذنب أو الخطأ، وذلك لما يحدثه الهجران من الأثر البالغ في نفس المُخطئ، وهذا ما حصل مع الثلاثة الذين تخلَّفوا عن غزوة تبوك، ومنهم كعب بن مالك (رضي الله عنه).
الفكرة من كتاب الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس
لم تكن السيرة النبويَّة يومًا قصصًا مُجرَّدة من الفوائد الجليلة والدروس العظيمة، بل الهدف الأوَّل لها هو أن يتأمَّل المرء في سيرة نبيِّه مُحمد ﷺ ليقتدي بهديه ومنهجه، ففي هذا الكتاب يُقدِّم لنا الشيخ المنهج النبوي في التعامل مع الأخطاء البشريَّة، فمنهجه ﷺ هو الأكمل والأحسن، وذلك لأنه مؤيَّد من ربِّه في أفعاله وأقواله، على عكس المناهج الأرضية التي يعترضها الخطأ والانحراف، كما أن التوجيه والتعليم والتقويم هو أجلُّ هديَّة يُقدِّمها المرء لغيره، وبناء على ذلك فمن الضروري الحرص على اختيار أفضل منهجية ووسيلة يستطيع المرء بها توجيه غيره.
مؤلف كتاب الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء الناس
محمد صالح المنجد، داعية وعالم إسلامي سوري، ولد في 13 يونيو 1961م، نشأ في الرياض وتعلم في المملكة العربية السعودية، حصل على البكالوريوس من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، ثم سلك بعدها طريق الدعوة إلى الله، وذلك بتوجيه من الشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله)، فبرز في المجال الدعوي وألقى العديد من المحاضرات والدروس، كما أنه من أوائل من استخدم الإنترنت في الدعوة إلى منهجه، وذلك بتأسيسه الموقع الإسلامي “سؤال وجواب”.
له العديد من المؤلفات، منها: “تقرأ كتابًا”، و”33 سببًا للخشوع في الصلاة”، و”كيف عاملهم؟”، وسلسلة “أعمال القلوب” وتحتوي عشرة كتيبات.