وسائل الإعلام بين الاتصال والترويج للاستهلاك
وسائل الإعلام بين الاتصال والترويج للاستهلاك
لعبت وسائل الإعلام دورًا ثقافيًّا كبيرًا في ترسيخ أيديولوجيا الاتصال، فبعد الثورة الصناعية تمكن أصحاب المصانع من إقناع الحرفيين بالتخلي عن قيمهم التقليدية التي من الممكن أن تشكل عائقًا أمام زيادة الإنتاج، كما تمكنوا من توسيع نطاق السيطرة الاجتماعية لتشمل جميع جوانب حياة العمال بما فيها حياتهم اليومية خارج مصانعهم، وذلك من أجل خلق مساحة أكثر اتساعًا لتحفيز الاستهلاك وضمان تصريف الفوائض الاقتصادية.
وكانت أكثر الشعارات التي تروج لها وسائل الإعلام من خلال الإعلانات “أن الاستهلاك يمكن أن يعالج العيب الشخصي”، وبناءً على ذلك زاد استهلاك الناس لمنتجات العناية بالصحة المعروضة عليهم، لاعتقادهم أنها الحل الأمثل لمشكلاتهم ودواء عيوبهم، وخلال الحرب العالمية الثانية استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية وسائل الإعلام لإقناع وحث الرجال على الانضمام إلى جيوش الحلفاء، وكذلك حث النساء على العمل في مصانع إنتاج الأسلحة، هذا إلى جانب قيامها بالدعاية المضادة للتنديد بالعدو النازي، وبعد نهاية الحرب ارتدت وسائل الإعلام قناعًا آخر عمل على تنمية المجتمع الاستهلاكي بشكل أكبر وأوسع، فتأصل بذلك الإعلان وصار نظامًا حقيقيًّا للاتصال.
لكن بمرور الوقت كثرت المنتجات وتشابهت من حيث تلبية الحاجة البشرية نفسها، فأصبح الدور الرئيس للإعلان هو التفريق بين هذه المنتجات عن طريق رسم هالة حولها من خلال استراتيجيات التسويق والدعايا حتى يجعلوا من المنتج شيئًا مرغوبًا للمستهلكين، ولتحقيق ذلك انقسمت الاستراتيجيات التي استخدمها المسوقون ثلاثة أنواع، النوع الأول إعلان يخاطب ذكاء المستهلك وعقله عن طريق تقديم إعلان إعلامي بحت، والنوع الثاني إعلان يخاطب مناطق اللا وعي في الإنسان، والسعي إلى التأثير فيه بالتكرار بدلًا من الإقناع، والنوع الثالث يخاطب العقل الباطن لدى المستهلك فيقدم إليه إعلانًا إيحائيًّا.
ومن ثم تمكنت المؤسسات التجارية من استخدام تقنيات الإقناع النفسي ووسائل النشر الحديثة لخلق دوافع الشراء لدى المستهلكين، وحث أكبر عدد منهم على شراء منتجاتها، وبناءً على ذلك اعتمد الخطاب الإعلاني على الربط بين الرغبات اللا واعية للمستهلكين المحتملين وخصائص المنتجات المراد بيعها، ومن ثمَّ أصبح المستهلك يشتري صورة معينة في خياله تتفق مع رغباته التي أوجدها الإعلان، ووصل الأمر إلى دخولها في جميع المجالات والتأثير فيها، كالحملات الانتخابية والسياسة والترويج للقضايا الاجتماعية والإنسانية.
الفكرة من كتاب ثورة الاتصال.. نشأة أيديولوجية جديدة
يستعرض الكاتب تقنيات الاتصال عبر التاريخ بداية من الكتابة والخطابة، ومرورًا بالكتب والطباعة والبرق، ووصولًا إلى التليفون والتليفزيون والكمبيوتر، كما يُبين أسباب ظهور ثورة الاتصال كأيديولوجيا دون دم أو ضحايا بديلة من الأيديولوجيات السياسية الأخرى التي تسببت في نشوب الحروب العالمية وقتل ملايين البشر خلال القرن الماضي، إضافة إلى ذلك يشرح الدور الذي تقوم به وسائل الاتصال والإعلانات بالتأثير في الجمهور وتوجيهه نحو الاستهلاك.
مؤلف كتاب ثورة الاتصال.. نشأة أيديولوجية جديدة
سيرج برو: دكتور في علم الاجتماع، وأستاذ في كلية الإعلام بجامعة كيبيك في مونتريال، وأستاذ مشارك في Telecom Paris Tech ومدير مجموعة الأبحاث ومرصد استخدامات وثقافات الوسائط (GRM)، من مؤلفاته:
Web social: Mutation de la communication.
La contribution en ligne: Pratiques participatives à l’ère du capitalisme informationnel.
فليب بروتون: باحث في مختبر CNRS، وأستاذ بجامعة ستراسبورج في المركز الجامعي لتعليم الصحافة، ومؤلف لعديد من الكتب، منها:
الحجاج في التواصل.
تاريخ نظريات الحجاج.
LE SILENCE ET LA PAROLE.
معلومات عن المترجمة:
هالة عبد الرؤوف مراد: مترجمة، ومن ترجماتها:
الثورة تحت الحجاب (النساء الإسلاميات في إيران).