وبئس القرين
وبئس القرين
للشيطان ألف وجه معظمها أوجه محبوبة جذابة ذكية مألوفة لا يتشخص فيها بصورته الحقيقية، بل يتمثَّل على هيئة بشر يحمل بعضها ملامح البراءة والنقاء، إذا أردت أن تراه قلِّب في ذكرياتك، وفي ذاكرتك، وتأمَّل في صورك القديمة، وفي وجوه من كنت تعرفهم من أصحاب وأصدقاء ،فتمعَّن وركِّز جيدًا؛ من مهَّد لك طريق البداية؟ من جرَّك إلى معصيتك الأولى؟ من ألقى بك في تلك الهاوية؟
تأملت؟ هل رأيت الشيطان بصورته التقليدية التي تعرَّفنا عليها منذ صغرنا _قرنين في الرأس ولحية مدببة بملامح شريرة_ لا لن تراه، سترى فقط صورة ذلك الطفل الصغير المتضوِّر جوعًا تملأ ذهنك وعينيك، تراها في شريط حياتك كلها، فكلُّها مقدمات لمشهد السقوط الأول في حياتك تتربَّص بك؛ سيناريو من ثلاثة مشاهد: انقطاع عن الصلاة، ثم انقضاض الطائر الكاسر على الفريسة، ثم السقوط في المعصية التي فتحت لك باب الهاوية.
شياطين بأقنعة مألوفة لأصحاب السوء الذين تراهم وكأنهم نجاتك؛ يحفزونك ويساندونك، بل يشجعونك لتفعل فعلتك الأولى، ولو كنت تعلم ما في نهاية الأمر لذهبت على الفور وقلت آمين، فقد ساقوك إلى جهنم وردًا، لأنك انقطعت عن الصلاة بسببهم، وارتكبت ذنوب الخلوات، ونسيت أن الله يسمع ويرى، وإن أغلقت ألف باب وباب، وأن هناك كتابًا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، تعلَّمت الصلاة وانقطعت عنها بنفسك أيضًا ولكن لأجل من؟ بقيت أسيرًا لنفسك عبدًا لها، وأسيرًا لشهواتك، وللذَّة المعصية؟ بالغت في معصيتك وأنت تعلم أن الله قد شرع فيها القتل؟ تجاوزت حدود الله تحت مسمى العادي والطبيعي؟ لو تعلم حقيقة الأمر لتمَّنيت أن تكون نسيًا منسيًّا لتنشق الأرض وتبتلعك ولن تفعل فعلتك، فكيف لقلبك أن ينسى ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾، كيف؟
الفكرة من كتاب يوم.. شهر.. سنة
يمتلك الإنسان ذكريات قد ينساها تارة ويتذكرها تارة أخرى، والبعض منها لها تفاصيل في نفسه مؤلمة للغاية كلما رجع أو تطرَّق إليها لها بصمة خاصة ملعونة لا تفارق صاحبها كالقرين تذبحه وتلاحقه، وتخرجه عن طوره الطبيعي؛ تذهب إليه وتتملَّك منه وإن ابتعد عنها، كم هي مؤلمة هذه الذاكرة!
مؤلف كتاب يوم.. شهر.. سنة
أحمد خيري العمري: كاتب وطبيب أسنان عراقي ولد في بغداد عام 1970، ويعود نسب أسرته إلى الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، كما أنه تأثر بفكر مالك بن نبي.
ومن مؤلفاته: “ليلة سقوط بغداد”، و”ألواح ودسر”، و”طوفان محمد”، و”شيفرة بلال”.