هِجرَةٌ وشجاعة
هِجرَةٌ وشجاعة
ما جَهَر أحد بهجرته غيرُه، إذ تقلّد سيفه، وتَنَكَّب قوسه، وانْتَضَى في يده أسهمًا، وذهب إلى الكعبة فطاف بها سبعًا، ثم أتى مقام إبراهيم فصلى به، ثم قام في الناسِ مُناديًا: “شَاهَتِ الوُجُوهُ، مَنْ أَرَادَ أَنْ تَثْكلَهُ أُمُّهُ، أَوْ يُؤتمَ وَلَدُهُ، أَوْ يُرَمَّلَ زَوْجُهُ، فَلْيَلْقَنِي وَرَاءَ هَذَا الوَادِي”، فلم يجرؤ أن يتبعهُ ممن سمعه أحد.
وقد رافق سيدنا عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في هجرته عَيَّاشُ بْنُ رَبِيعَةَ، وحين وصلا إلى المدينة أتى عَمْرُو والحَارِثُ ابنا هِشَامِ إلى عَيَّاشِ بْنِ رَبِيعَةَ يُخادعانه بأن أمه قد نذرت ألا يمس شعرها مِشط إلا إن رجع ابنها إليها، فرقّ قلبه لِما سمع، وعاد معهما إلى مكّة على الرغم من تحذير سيدنا عُمر له بعدم الرجوع، حتى إنه عرض عليه أن يأخذ نصف ماله ولا يرجع معهما، إلا أنه لم يستجِب له، ولم يقبل عرضه، وعاد مَعهُما.
وفي مُنتصف الطريق طلب أبو جهل من عَيَّاشِ أن يركب خلفه، فلمّا أناخ عياش ناقته وثبا عليه، وقيداه ليدخلوا به مكّة على هذه الحال فيكون عبرة للجميع!
فلمّا سمع سيدنا عُمر بما جرى قال إن القرآن كان قد أرشدهم من قبل إلى أن حق الله مُقدَّم على كُل حَق، وقد حدث موقف مشابه لهذا مع سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- ولكنه ثبت، فلكلٍّ طبعه.
الفكرة من كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب
“لَو كَانَ مِن بَعدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ”.. كيف لنا ألا نُصدِّق هذه العبارة في عُمر وقد قالها من لا ينطِقُ عن الهوى؟ قالها فيه رسول الله (ﷺ)، وكان من قبلها قد دعا: “اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ أَو بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ” فكان أحبُّهما إلى اللهِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وإذا بدعوةِ النبي (ﷺ) تنقلهُ من دارِ النَّدوة إلى دارِ الأَرْقَمِ!
لتبقى لنا سيرته خالِدة حتى اليوم دليلًا واقعيًّا يؤكِّد لنا ما قد يفعل الإيمان إذا نزل بقلبِ رَجُلٍ فَتَمَكَّن مِنهُ، فمن ذا الذي كان يُصدِّق أن الرجُل الذي يَصنَع من التمرِ صنمًا ليعبُده، هو نفسه الذي سيكون إسلامه فتحًا، وهجرته نصرًا، وخِلافتهُ رحمة؟ إننا هُنا بصددِ الحديثِ عن عُمَر، عُمَر هازِم كِسْرَى وقَيْصَر، ولكِنّه من قبل ذلك عُمَر صاحِب رسول الله (ﷺ)، وكفى بهذا شرفًا.
مؤلف كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب
أدهم شرقاوي: كاتِبٌ فلسطيني الأصل، وُلِد ونشأ في مدينة “صور” في لبنان، حصل على دبلوم التربية الرياضية ودبلوم المُعلمين من الأونيسكو، وحصل على ماجستير في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية في بيروت، أُصدِر أول كتاب له عام 2012م، ثم تلاه عديد من المؤلفات، ومنها:
للرجال فقط! مبادئ للتعامل مع النساء.
أنتِ أيضًا صحابية.
رسائل من القرآن.