هوس تتبع الذات والتلعيب
هوس تتبع الذات والتلعيب
هناك ظاهرة تدعى التتبع الذاتي أو قياس الذات، وبها يستخدم الفرد التقنيات الجديدة ويعتمد على الأرقام، كاستخدام أجهزة قياس النبض والضغط ومعرفة عدد الخطوات وتسجيل أنماط النوم وحالات الجسم المزاجية، وبعد ذلك يستطيع المستخدم تحميل هذه البيانات ومن ثم تحليلها، وتحديد البيانات المختلفة مثلًا في معدل النبض أو النوم، وما يؤثر في مزاجه كبعض الأطعمة، ومعرفة المواقع التي تجعل دماغه أكثر حيوية ونشاطًا، وانتشرت هذه الظاهرة بشكل قوي، حتى إن هناك مَنْ يوسع دائرة التتبع لتشمل باقي أفراد أسرته، فلماذا؟
ربما تظن في بادئ الأمر أن التتبع غرضه المساعدة في التخلص من العادات السيئة، ولكن الغرض الحقيقي هو تنظيم كل جانب من الجوانب الحياتية، سواء الشخصية أم المهنية في سبيل زيادة الإنتاجية وإعادة بناء الذات بانسيابية، وفي الوقت نفسه استغل أرباب العمل وأصحاب الصناعات المالية تقنية التتبع لإدارة عادات الموظفين الجسدية، ولوضعهم تحت المراقبة، وللتحقق من مؤشر العافية لديهم، فتصبح حياة الموظف عرضة للتوجيه والتلاعب، فتؤول الأمور إلى مرحلة أورويلية جديدة من التحكم الكامل. ولكن ماذا بعد أن يصبح الموظفون أكثر انتاجية؟ وكيف سيستغلون الوقت المُوفر؟ الإجابة تكمن في أنهم سيكملون في الدائرة نفسها، ليجدوا طرائق جديدة ليصبحوا أكثر إنتاجية.
وبقراءة الوضع نجد أن هذا التتبع للحياة سواء في بيئة العمل أم خارجها، يجعلنا نشبه المنتجات في السوق، نخاف أن نصير منتجًا منتهي الصلاحية، فلذا نحتاج إلى تحديث مستمر وأن نتظاهر بأننا بخير، وإذا تأملت الحال تجد أنه أشبه باللعبة التي تحقق فيها ذاتك، وتحاول تحقيق أقصى إنتاجية وتتكيف مع قواعدها السائدة، أمر اللعبة هنا ليس بالاستعارة التشبيهية، بل هو حاجة ليتكيف بها الناس مع الواقع القاسي للحياة وتوقعاتهم الهائلة الملقاة على عواتقهم، وكذلك لتزيين أمر الانضباط الذاتي وتحويله من مجرد مهمة مملة وشاقة إلى تجربة ممتعة عن طريق التلعيب أو gamification، أي تطبيق منطق الألعاب على أوضاع العالم الحقيقي، الذي يعتمد على نظام المكافآت الذي يؤدي إلى الإدمان، ويحفّز المرء على الاستمرار. مثل تطبيق EpicWin الذي يحول مهامك اليومية إلى لعبة، والأمر نفسه ينطبق على حياتك الحالية، فالآن أنت تعمل لساعات طويلة دون إحساس بهدف ودون فرصة للترقي، وتكسب نقاطًا تكفي للشراب والطعام واستهلاك بعض الوسائل الهروبية.
الفكرة من كتاب متلازمة العافية: خرافة الإنسان الكامل
في واقعنا المعاصر لم يعد يكفي أن تكون إنسانًا عاديًّا، بل يجب أن تصبح في طَور الإنسان الكامل الذي يتمتع بصحة جيدة وبوزن مثالي، ويفكر بشكل إيجابي دائمًا ولديه هوس دائم بالسعادة، وهذا الشكل من المثالية والكمال لا يسعى إليه إنسان العصر الحديث لنفسه، بل من أجل عدم التخلي عنه من قبل سوق العمل الذي لا يأبه إلا لزيادة الإنتاجية، ولأن من الصعب الوصول إلى الكمال المنشود، تقع في أسر الشعور بالذنب، فكيف يحدث ذلك؟ وما أثره في حياتك؟ هذا ما سنجده مع هذا الكتاب.
مؤلف كتاب متلازمة العافية: خرافة الإنسان الكامل
كارل سيدرستروم: كاتب سويدي، وأستاذ مشارك في كلية ستوكهولم في قسم إدارة الأعمال، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة Lund، مهتم بدراسة مجالات تتعلق بالفلسفة والثقافة الغربية المعاصرة، بما في ذلك الفلسفة السياسية وفلسفة الحياة والعمل، كما قدم العديد من المساهمات في مجال البحث والنشر والمقالات للصحف والمجلات الأكاديمية مثل: The New York Times, The Guardian, The Atlantic and Harvard Business Review. له مؤلفات عدة، من أشهرها:
The Happiness Fantasy
Desperately Seeking Self-Improvement: A Year Inside the Optimization Movement
أندريه سبايسر: كاتب نيوزيلندي، يعمل أستاذًا في كلية Cass Business بجامعة سيتي لندن، نشرت له كتابات في العديد من الصحف والمجلات مثل: Guardian, Financial Times, Times, Independent and CNN
له مؤلفات عدة، من أشهرها:
Metaphors We Lead By: Understanding Leadership in the Real World
Unmasking the Entrepreneur
معلومات عن المُترجمين:
عبد المنعم المحجوب: باحث لغوي ومُفكر ليبي الجنسية، ولد عام 1963م، تتنوَّع إسهاماته بين النقد الأدبي واللغة والتاريخ والفلسفة والترجمة، وحصل على الماجستير في الفلسفة ثم الدكتوراه من جامعة الحسن بالمغرب، أسَّس واشترك في العديد من الصحف الإخبارية مثل “الجديدة” الثقافية، وله العديد من المؤلفات المتنوِّعة مثل: “قراءات في السلم والحرب: ليبيا 2022 – 1911″، و”ما قبل اللغة.. الجذور السومرية للغة العربية واللغات الأفروآسيوية”.
أنس المحجوب: شارك في ترجمة كتابي: (المجتمع المنحط: كيف صرنا ضحايا نجاحاتنا؟) و(سجناء الجغرافيا).