هل يمكن للمرء أن يكون مدينًا للسجن؟ هل للسجن فضل؟
هل يمكن للمرء أن يكون مدينًا للسجن؟ هل للسجن فضل؟
يقول ياسين الحاج: “إن ما تحقَّق بداخل السجن كان رغمًا عنه لا بفضله”، فقد كان السجن له بمثابة إجبار، يحد من خياراته بقوة، ويجبره على فعل الأجدى، فلا يستطيع أحد أن يتحمَّل جحيم الانتظار فقط، ثم يعترف بأن هناك تشوهًا خاصًّا به، وأنه مستعدٌّ بمقايضة الخمس عشرة سنة بما اكتسبه داخل السجن!
لماذا قد يقول سجين مثل ذلك؟! يجيب المؤلف عن مدى شتاته وبعثرته قبل السجن، فقد كان السجن فرصة له للتوقُّف والصمت والتأنِّي وإعادة تكوينه وتشكُّله من جديد بشكل أكثر حكمة، قد تكون بالفعل تجربة انعتاق عن طريق صراع مع النفس والسجن والغير، وعن طريق التعلم وعن طريق الكتب.
في السجن تعلَّم الصبر والجدية والنفور من الحياة الفاترة المبدَّدة، فنحن حين ننظر إلى حياتنا نجدها مشابهة لوصفه “مبدَّدة”، فقسط في التعلم وقسط في التثقُّف، وقسط في الثرثرة وأخير في اللهو، ويقل التركيز على شيء، فقد وفَّر له السجن هذه الإمكانية دون شطارة منه، فعمل بشكل صبور وطويل لإنقاذ نفسه ولتحقيق أي شيء، إذ يقول “يحتاج المرء أن يكون عبدًا ليتحرَّر، سجينًا كي ينعتق”.
وحين النظر إلى أيام السجن يمكن رؤيتها من مدخلين: الأول، تتابع الأيام والشهور والسنين التي انقضت بمشقة وآلام متنوعة، وشعور دائم بالانقباض والقنوط مرتبط بفكرة السجن ذاتها، وأكل الزمن وعمر الشباب الضائع، أما الثاني: فتجربة كلية، ومعنى معين، وخلاصة التفاعل مع الزمن، وثمرة الصراع معه، ولكن هذا لا يتم إلا برفع مستوى القدرة على التحكُّم في الصراع وإدارته، ومستوى الوعي الذاتي والتساؤل.
الفكرة من كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
إن هذا الكتاب لا يعده كاتبه ضمن أدب السجون ولا البحث الاجتماعي، ولا حتى كتبه بروح المظلومية وفضح النظام، ولكن الكتاب تأمُّلات قصة حياة السجن، ويحمل طابع السير الذاتية، فحياته كانت في الداخل، وجزء من تكوينه الأساسي كان في السجن، فقد دخل وهو ابن عشرين عامًا، ونشر الكتاب وهو في الخمسين.
يبدأ موضوع الكتاب من لحظة الاعتقال في فجر أحد أيام ديسمبر عام 1980، طالب الطب صاحب العشرين عامًا، وعضو المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوري ياسين الحاج صالح، ليقضي ستة عشر عامًا وأربعة عشر يومًا ما بين سجن المسلمية بحلب، ثم سجن عدرا بدمشق عام 1992، وأخيرًا ينهي المأساة بمأساة أكبر استمرت نحو سنة كاملة في سجن تدمر الرهيب، ليخرج في أواخر ديسمبر عام 1996م.
مؤلف كتاب بالخلاص يا شباب.. 16 عامًا في السجون السورية
ياسين الحاج صالح، كاتب سياسي ومعتقل يساري سابق، مؤلف مشتغل بالشؤون السورية ونقد الثقافة والإسلام المعاصر.
وُلِدَ في مدينة الرقة عام 1961م، واعتُقِل عام 1980م في السنة الثالثة لكلية الطب، بتهمة الانضمام إلى تنظيم شيوعي ديمقراطي، ويعتبر حاليًّا من أهم الكتاب السوريين في قضايا الثقافة والعلمانية والديمقراطية والإسلام المعاصر.
من مؤلفاته: “سوريا من الظل”، و”أساطير الآخرين: نقد الإسلام المعاصر ونقد نقده”، و”السير على قدم واحدة”، و”الثقافة كسياسة: المثقفون ومسؤولياتهم الاجتماعية في زمن الغيلان”، و”أي إسلام وأي علمانية”، و”بالخلاص يا شباب”.