هل يقع الجميع في هذا الوهم؟

هل يقع الجميع في هذا الوهم؟
يمتاز العقل البشري بقدرته على التنقل بين نوعين من التفكير: التفكير الحدسي والتفكير التأملي. يعتمد التفكير الحدسي على الارتباطات الفورية والاستجابات الآلية، وهو مفيد في المواقف التي تتطلب قرارات سريعة فعالة، أما التفكير التأملي فيتسم بالتحليل العميق المنهجي، ويكون ضروريًّا عند مواجهة مشكلات معقدة تتطلب تفكيرًا مستفيضًا وتقييمًا دقيقًا للمعلومات.

في دراسة أُجريت بجامعة ييل، قُدم اختبار يُعرف باختبار الانعكاس المعرفي (CRT) لمجموعة من الأفراد، واشتمل هذا الاختبار على ثلاث مسائل بسيطة، على سبيل المثال، تطرح إحدى المسائل الآتي: “توجد رقعة من أوراق زنبق الماء في بحيرة تتضاعف حجمًا كل يوم، إذا استغرق الأمر 48 يومًا لتغطية البحيرة بالكامل، فكم يستغرق لتغطية نصفها؟”، إذا كانت الإجابة الأولية التي تخطر ببالك هي “24 يومًا” فأعد التفكير مجددًا! إن الرقعة تتضاعف في الحجم يوميًّا، لذا يجب أن تكون الإجابة الصحيحة اليوم الذي يسبق يوم تغطيتها بالكامل
أي اليوم السابع والأربعين، فلو غُطِّيَ نصفها في اليوم الرابع والعشرين فستتضاعف في اليوم التالي، أي اليوم الخامس والعشرين، وتغطي كامل البحيرة، وللوصول إلى الإجابة الصحيحة، يتعين علينا تجاوز الإجابة الأولية وإجراء بعض العمليات الحسابية، ولا يهتم كثير من الأشخاص ببذل هذا الجهد، فنحو 48% فقط من طلاب معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا تمكنوا من حلها بشكل صحيح.
وقد أظهرت دراسات لاحقة أن الأفراد الذين يحققون نتائج أفضل في الاختبار يتمتعون بوعي أكبر ويقل لديهم الوهم بالعمق التفسيري مقارنة بأولئك الذين يعتمدون على التفكير الحدسي. وقد عزا الباحثون هذه النتيجة إلى اهتمام الأشخاص الذين يتبعون النمط التأملي بالتفاصيل، ففي دراسة أخرى، عُرضت مجموعة من الإعلانات لمنتجات مختلفة تتفاوت في مستوى الوصف التفصيلي على المستهلكين، وسُئلوا عن مدى إعجابهم بكل منتج. وتبين أن الأشخاص الذين يميلون إلى التفكير الحدسي يفضلون المنتجات ذات الشرح المختصر، في المقابل اهتمت الفئة الأخرى بالتفاصيل وأحبت شرحها، ولهذا فإنهم يميلون إلى تقدير فهمهم بشكل أكثر واقعية، ويكونون أقل عرضة للوقوع في فخ الافتراضات السطحية.
الفكرة من كتاب وهم المعرفة: لماذا لا يفكر الإنسان منفردًا؟
إن العقل البشري معقد متناقض، فهو قادر على الإبداع والتفكير العميق، وفي الوقت نفسه يمكن أن يكون محدودًا غير منطقي، فنحن قادرون على تحقيق إنجازات باهرة كاستكشاف الفضاء والوصول إلى القمر، وتطوير الخضراوات المعدلة وراثيًّا، وفهم أسرار الذرة، لكن في الوقت ذاته، نجد أنفسنا غافلين عن الكيفية التي توصلنا بها إلى معظم هذه الأمور، فالجميع يعاني وهم الفهم بدرجات متفاوتة، وهو الاعتقاد الزائف بأننا نفهم كيفية عمل الأشياء، في حين أن فهمنا الحقيقي لها محدود، ألا تصدقني؟ حسنًا.. دعنا نجرب الآن
لنختر شيئًا بسيطًا غالبًا ما تراه في حياتك اليومية على مقياس من 1 إلى 10، كم تقدر مدى فهمك لكيفية عمل سحاب البنطال؟ يبدو الأمر بسيطًا، أليس كذلك؟ احتفظ بالرقم الذي وضعته، ثم أحضر ورقة وقلمًا وحاول شرح تلك العملية تفصيليًّا، بعد ذلك قيم فهمك مرة أخرى، هل تغير الرقم؟ ربما أصبح أقل، على الأرجح سيحدث ذلك.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو “لماذا لا ندرك حقيقة جهلنا؟ ولماذا نظن أن فهمنا عميق عندما يكون الواقع مغايرًا؟”، هذا ما سيجيب عنه كتابنا من خلال تشريح مفصل للآليات العقلية التي تقف وراء هذه الظاهرة، كما سيوضح لنا كيف وصلنا إلى هذا التقدم الكبير الذي نعيشه اليوم رغم وجود هذه الظاهرة، وسيقدم لنا أيضًا طرائق لحلها.
مؤلف كتاب وهم المعرفة: لماذا لا يفكر الإنسان منفردًا؟
ستيڤن سلومان: عالم نفس يهتم بدراسة الجوانب المعرفية للكيفية التي يفكر بها الإنسان منفردًا وفي المجتمع، يعمل أستاذًا في قسم العلوم المعرفية واللغويات والعلوم النفسية بجامعة براون في الولايات المتحدة الأمريكية، نشر مجموعة واسعة من الأعمال في مجلات مرموقة مثل: The New York Times، وBBC World News، له كتاب آخر بعنوان:
“Causal Models: How People Think about The World and Its Alternatives”
فيليب فيرنباخ: عالم نفس معرفي، حصل على درجة الدكتوراه في العلوم المعرفية من جامعة براون، يعمل حاليًّا أستاذًا للتسويق في مدرسة ليدز لإدارة الأعمال في جامعة كولورادو، يهتم بدراسة طرائق تفكير الناس ويطبق أبحاثه من أجل مساعدة أصحاب الأعمال والمستهلكين والمديرين على اتخاذ قرارات أفضل، إذا يشغل منصب المدير المشارك لمركز أبحاث القرارات المالية للمستهلكين، وهو أيضًا عضو في معهد العلوم المعرفية بجامعة كولورادو.
ملحوظة: لا توجد ترجمة عربية لهذا الكتاب.