هل وضع سعر لكل شيء هو الحل المناسب؟
هل وضع سعر لكل شيء هو الحل المناسب؟
تخيل أنك عدت إلى المنزل بعد يوم شاق وقد وجدت زوجتك أعدت وجبتك المفضلة لتشعر بسعادة بالغة وأنت تتناولها، ثم بعد انتهائك عرضت عليها مقابلًا ماديًّا لهذه الوجبة اللذيذة، يا ترى هل ستسعد زوجتك بوضع سعرٍ لحبها وعنايتها بك؟! هذا ما لا أظنه أبدًا بل أعتقد أنها ستعد ذلك إهانة لها أو على الأقل استخفافًا بجهودها. ماذا نستنتج من هذا الموقف؟ أن وضع سعر لكل شيء ليس الشيء المناسب، لأننا في الحقيقة نعيش داخل عالمين: الأول هو عالم القواعد الاجتماعية الذي نتبادل فيه الخدمات من دون ماديات وحسابات للمكاسب والخسائر، أما العالم الثاني فهو عالم السوق الذي تحكمه الأسعار والأموال بشكل أساسي ولا يُقدم فيه أي شيء دون مقابل. واللافت للنظر أن القواعد الاجتماعية تحفز الناس لبذل الجهد أكثر من المحفزات المالية، فقد يبذل الناس أرواحهم في سبيل قضية أو مبدأ يناصرونه، ولكنهم لا يضحون بأنفسهم مقابل الحصول على مبلغ من المال.
وحاول أن تعرض على أحد المارين في الشارع أن يساعدك على حمل حقائبك الكثيرة مجانًا، ثم جرب مرة أخرى واعرض عليه مبلغًا بسيطًا ولاحظ رد الفعل، على الأغلب لن يتردد الآخرون في مساعدتك مجانًا وهم في كامل الرضا واللطف، لماذا؟ لأن ما يحكم في هذه الحالة قواعد العالم الاجتماعي، الذي يوصي بأن يساعد بعضنا بعضًا وأن نقف جنبًا إلى جنب، أما إذا عرضت مبلغًا بسيطًا فأنت بهذا تنتقل من عالم القواعد الاجتماعية إلى عالم السوق، وقد يرى الآخرون أن المبلغ الذي عرضته لا يتوافق مع جهودهم ووقتهم، ومن ثم لن يستجيبوا لك حتى وإن كانوا في أمس الحاجة إلى المساعدة، ولكن ماذا إن طلبت المساعدة مقابل هدية؟ هل سيقع هذا ضمن القواعد الاجتماعية أم السوقية؟ تظل الهدايا واحدة من أشكال التبادلات الاجتماعية اللطيفة، التي لها أثر طيب في نفوس الآخرين وكذلك تحفزهم على التعاون معك.
وفي حين أن إدخال قواعد السوق إلى العالم الاجتماعي يضر بعلاقاتك ويأتي بنتائج سلبية كبيرة، نجد أن كبرى الشركات تسوق نفسها بوصفها شركات اجتماعية، وأنها تريد أن نشعر بأننا عائلة واحدة، ولذلك فوائد كبيرة جدًّا، أهمها كسب ولاء المستهلكين واستمرار تعاملاتهم. والأمر نفسه ينطبق على علاقة الشركات بموظفيها، إذ وُجد أن القيم الاجتماعية في وسط العمل تعود بفوائد كبيرة على الشركة مقارنة بقواعد السوق، وذلك لأن القواعد الاجتماعية تغرس الولاء في الموظفين وتجعلهم أكثر مرونة واهتمامًا بمصلحة الشركة وأكثر استعدادًا للعمل.
الفكرة من كتاب توقع لا عقلاني.. القوى الخفية التي تشكل قراراتنا
هل فكرت من قبل لماذا تقرر البدء في حمية غذائية ثم بعد يومين تنهار قواك أمام وجبة شهية؟ ولماذا تتسم أفكارك بالعقلانية ما دمت هادئًا وجالسًا في مكانك، بينما مع أول انفعال تفقد عقلانيتك وتتصرف بطرق لا تتوقعها؟ أو هل فكرت في قدرة المنتجات المجانية على جذبك وعلو المنتجات الباهظة الثمن في نظرك؟ حسنًا، عندي لك سؤال أخير، هل خطر ببالك كيف تؤثر الاختيارات المتعددة والتوقعات المختلفة في قراراتنا؟ سواء فكرت بذلك كله أم لم تفكر فأنا على ثقة بأنك ستنظر إلى هذا كله بشكل جديد ومختلف تمامًا بعد أن تتعرف معي أفكار هذا الكتاب وإجاباته.
مؤلف كتاب توقع لا عقلاني.. القوى الخفية التي تشكل قراراتنا
دان آریلي: أستاذ علم النفس والاقتصاد السلوكي في جامعة ديوك وحاصل على درجة الدكتوراه في كل من علم النفس المعرفي وإدارة الأعمال. نشرت أعماله في العديد من المجلات العلمية البارزة والمؤسسات الإعلامية الشهيرة مثل: New York Times وWashington Post وScientific American وScience. ومن مؤلفاته:
The (Honest) Truth About Dishonesty: How We Lie to Everyone – Especially Ourselves
The Upside of Irrationality: The Unexpected Benefits of Defying Logic
Misbelief: What Makes Rational People Believe Irrational Things