هل من الممكن أن يخفِّف الاعتذار من وطأة اللوْم؟
هل من الممكن أن يخفِّف الاعتذار من وطأة اللوْم؟
إذا تعرض أحدٌ ما من غير وجه حق للوم، أو لسوء المعاملة، فيمكن أن يُحدث الاعتذار الصادق تأثيرًا فارقًا، ويقلِّل من حدة الأمر، وقد لا يُصلِح الاعتذار الأمور لكن من شأنه أن يمثل بدايةً لالتئام الجروح والمصالح، وللاعتذار معانٍ مختلفة بحسب الطريقة التي يُعبَّر عنه فيها، ووفقًا للسياق الملازم له، فقد نتأسَّف لمصيبة ألمَّت بأحدهم دلالةً على التعاطف مع حالته، أو قد نقول كلمة آسف من قبيل الدعابة، وحينها تكون إشارة إلى عدم شعورنا بالأسف على الإطلاق.
وللاعتذار أهمية ومغزى كبيران، وبخاصةٍ إن جاء لعلاج أذى نفسي أو خيانة للثقة، وفي هذه الحالات يتطلَّب الاعتذار أكثر من مجرد التلفُّظ بكلمتي “أنا آسف”، بل وفقًا لما يُوصي به علماء النفس يجب أن يتضمَّن اعترافًا بالإخفاق من قبل المعتذر، وتحديدًا لطبيعة الإساءة، وتعاطفًا مع الضحية والإقرار بألمها والشعور بما تُعانيه، ويجب أن يشمل الاعتذار إن أمكن اعتبارًا أو تعويضًا، وفي بعض الحالات يكون التعبير العفوي عن الندم أقوى من كلمات الاعتذار.
واللا-اعتذارات هي عبارات صِيغت لتخفيف اللوم والمسؤولية الشخصية، وقد تبدو وكأنها اعتذار ولكنها لا تحدِّد تفاصيل الإساءة للضحية أو الأذى الذي لحق بها، كما أن اللا-اعتذارات لا تضمن أي شعور بالندم، إضافةً إلى أنها تُعدُّ هروبًا من موقف مجرح أو صعب، والقصد منها هو استعادة السلطة عوض مداواة جرح معين، ويسود اللا-اعتذار عالم السياسة للحفاظ على المركز المرموق للشخصيات السياسية، ويتقن اللا-معتذِرون فن تحريف الكلام، فتجدهم يستخدمون “للأسف” عوضًا عن “أنا آسف”.
وإبداء الأسف غير مكلف إلا أن التعويض عنه مكلف، وغالبًا ما يتأخَّر نتيجة المنازعات القانونية، والجمود المؤسسي، وغالبًا ما يرتبط الندم بالعدالة، وعدم الشعور بالندم من طرف الجاني يُعدُّ دليلًا على انحرافه وطبيعته الشريرة، كما تتم إدانة المجرم لا على فعلته فحسب، بل على عدم إقدامه على الاعتذار أيضًا.
الفكرة من كتاب صناعة اللَّوم.. المساءلة ما بين الاستخدام وسوء الاستخدام
عندما يحدث خطأ ما في حياتنا يكون رد فعلنا الأول والطبيعي هو البحث عن شخص نُلقي عليه اللوم، إذ يُشكِّل اللوم جزءًا كبيرًا من حياتنا، فهو وسيلة لتحديد موقفنا، كما يتشكَّل كثير من فهمنا للوم من الأخبار، لأنه هو ما يصنع الأخبار، ويُتيح ترويجها وبيعها، واللوم مهم لأنه على ما يبدو يفسر بعض الأمور مثل “لماذا هناك بطالة؟”، فتكون الإجابة: “خطأ الحكومة التي جعلت الأجانب يُسيطرون على الوظائف”، إذًا اللوم هو وسيلة سريعة لإيصال المقصود عندما نَشعر بتهديد ما، وهو لغة الاتهام والدفاع عن النفس، لكن لماذا اكتسب اللوم هذا القدر من الأهمية في العديد من المجالات؟ وما عواقبه؟ هذا ما سنتعرَّف عليه في السطور القادمة.
مؤلف كتاب صناعة اللَّوم.. المساءلة ما بين الاستخدام وسوء الاستخدام
ستيفَن فاينمان: حصل على ماجستير في علم النفس المهني عام 1969، ثم حصل على الدكتوراه من جامعة شيفيلد عام 1974، عَمل أستاذًا جامعيًّا للدراسات التنظيمية في كلية الإدارة بجامعة باث في المملكة المتحدة، واهتم بالكتابة في مجال التنظيم السلوكي، والنظريات التنظيمية النقدية، ونشر العديد من الكتب والدراسات المعنية بشكل مباشر أو غير مباشر بعالم العمل والعدالة الاجتماعية.
ومن أهم أعماله:
العمل.. مقدمة قصيرة جدًّا.
Understanding Emotion at Work.
معلومات عن المترجم:
ماهر الجنيدي: وُلد عام 1961 في حمص بسوريا، وهو كاتب وصحفي ومترجم من أصل سوري يقيم في دبي بالإمارات العربية المتحدة، شغل منصب مدير تحرير “مجلة PC Magazine- الطبعة العربية”، ورئيس تحرير مجلة “إنترنت العالم العربي”، ومدير محتويات بوابة “عجيب”، وكذلك أشرف على ترجمة “فوربس” العربية.
ومن أهم ترجماته:
فن الحرب.
في مديح البطء.