هل فلسطين كانت أرضًا خالية من السكان واليهود كانوا شعبًا بلا أرض؟
هل فلسطين كانت أرضًا خالية من السكان واليهود كانوا شعبًا بلا أرض؟
كان الفضاء الجيوسياسي المعروف اليوم بالأراضي الفلسطينية المحتلة بلدًا معترفًا به منذ العصر الروماني، ويوجد إجماع بين الباحثين أن الرومان هم من أطلقوا عليها اسم “بالستينا”، فكانت فلسطين ولاية تابعة للإمبراطورية الرومانية، ثم صارت بعد ذلك ولاية تابعة للدولة البيزنطية إبان الحكم البيزنطي، وبدءًا من منتصف القرن السابع الميلادي حتى الربع الأول من القرن العشرين ارتبط تاريخ فلسطين بشكل وثيق بالعالمين العربي والإسلامي، لكن الحقبة الأهم لفهم وضع فلسطين هي فترة الحكم العثماني لها، فمنذ أن دخل العثمانيون فلسطين في القرن السادس عشر حكموها لمدة 400 سنة، ووفقًا للسجلات العثمانية لعام 1878م، كانت فلسطين مجتمعًا غالبيته عربية من المسلمين السُّنة بنسبة 87%، وشكَّل اليهود 3% من السكان، بينما شكَّل المسيحيون 10%، وكانت فلسطين خلال الحكم العثماني مثلها مثل البلاد العربية المجاورة لها، فكان بها نشاط زراعي وصناعي غني، وبلدات ومدن تاريخية تخدم مجتمعًا قوامه نصف مليون نسمة عشية وصول الصهيونية.
لكن من يتصفح الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية يجد صورة مضللة للوضع السكاني في فلسطين، إذ يقرأ أن فلسطين في القرن السادس عشر كانت يهودية، ومع دخول العثمانيين إليها تعرضت البلاد إلى إهمال ومشاريع استعمارية عثمانية، فتحولت فلسطين بحلول العام 1800م بسبب الإهمال من أرض خصبة إلى أرض قاحلة، بسبب إزالة الغابات وقطع الأشجار، ومن ثم كانت أرض الميعاد (فلسطين) أرضًا خالية مقفرة جرداء قبل وصول الصهيونية إليها، هذه هي الصورة المزيفة التي تروجها إسرائيل في مناهج التعليم ووسائل الإعلام!
تسير الخرافة السابقة جنبًا إلى جنب مع خرافة أخرى تتمثل في أن اليهود كانوا شعبًا بلا أرض، ويؤكد البروفيسور الإسرائيلي “شلومو ساند” أن فكرة أن اليهود شعب عليه أن يعود إلى الأرض المقدسة ظهرت لأسباب خاصة تتمثل في المخطط السماوي لنهاية التاريخ، والعودة الثانية للمسيح، وعملت حركة الإصلاح الديني التي شهدتها أوربا خلال القرن السادس عشر وصاعدًا -خصوصًا بين البروتستانتيين- على الجمع بين نهاية الألفية واعتناق اليهود للمسيحية وعودتهم إلى فلسطين، وخلال القرن الثامن عشر صار الاعتقاد السائد أن اليهودي غير قادر على الاندماج في المجتمعات الأوربية، ومن ثم سيظل يشكل أمة داخل الأمة، ومن هنا عليه أن يعود إلى فلسطين التي خرج منها، وبناءً على ذلك نلاحظ وجود علاقة وثيقة بين الأفكار التأسيسية للصهيونية ومعاداة السامية التي كانت سائدة في أوربا، ومن خلال جهود تيودور هِرتزل حظيت الصهيونية باعتراف دولي، وبدأت الهجرة الصهيونية إلى فلسطين في عام 1882م.
الفكرة من كتاب عشر خرافات عن إسرائيل
لفهم أي صراع بين طرفين لا بد من العودة إلى التاريخ للوقوف على فهم حقيقي يتيح فرصة للسلام، وفي موضوعنا تعرض الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لتضليل وتزييف تاريخي متعمد، وقد أدى ذلك إلى اضطهاد الفلسطينيين ودعم وحماية نظام قائم على الاحتلال والاستعمار، يعتمد التزييف والتضليل على الرواية التاريخية الصهيوينة، فالرواية الإسرائيلية الصهيونية تعتمد على عشر خرافات تلقي بظلال من الشك على الحق الأخلاقي الفلسطيني في الأرض، وتأخذ وسائل الإعلام الغربية هذه الخرافات بوصفها مسلَّمات لا تقبل الدحض، ومن ثمَّ يستعرض المؤلف هذه الخرافات ويرد عليها، قاضيًا بذلك على الرواية الصهيونية المزيفة!
مؤلف كتاب عشر خرافات عن إسرائيل
إيلان بابيه: هو مؤرخ إسرائيلي مشهور، ويعمل أستاذًا بكلية العلوم الاجتماعية والدراسات الدولية بجامعة إكسيتر بالمملكة المتحدة، كما أنه مدير المركز الأوربي للدراسات الفلسطينية بالجامعة.
من مؤلفاته:
التطهير العرقي في فلسطين.
فكرة إسرائيل: تاريخ السلطة والمعرفة.
أكبر سجن على الأرض: سردية جديدة لتاريخ الأراضي المُحتلة.
معلومات عن المترجمة:
سارّة عبد الحليم: هي باحثة ومترجمة فلسطينية، حازت شهادة الماجستير في الفلسفة في دراسات الشرق الأوسط الحديث من جامعة أكسفورد ببريطانيا. من ترجماتها:
وسطاء الخداع.