هل دور الطبيب محاربة الموت فقط؟
هل دور الطبيب محاربة الموت فقط؟
إن المسنين وكل من يعانون أمراضًا خطيرة لديهم أولويات أخرى إلى جانب المحافظة على العيش أطول فترة ممكنة، تتمثل هذه الأولويات في تجنب المعاناة، وتقوية العلاقات بأفراد أسرهم وأصدقائهم، وأن تكون قواهم العقلية سليمة، وألا يكونوا حملًا ثقيلًا على غيرهم، ومن ثمَّ يثور سؤالان مهمان هما: متى يجب على الأطباء التدخل لإعادة الأمور إلى نصابها؟ وماذا نريد من المسن ومن الأطباء أن يفعلوا؟ في إحدى الدراسات التي أجريت على المرضى مرضًا لا يُرجى برؤه، كالذين رُكب لهم جهاز تنفس صناعي، أو أدخلوا قبيل الموت إلى العناية المركزة، لوحظ أن نوعية الحياة التي عاشوها كانت أسوأ بكثير من حالة مَن كانوا في وضعهم نفسه ولم تُجرَ لهم هذه التدخلات الطبية، كما لوحظ أيضًا أن أسرهم عانت مستويات مرتفعة من الاكتئاب أكثر بثلاث مرات ممن لم يتلقَّ مرضاهم تلك التدخلات.
ومن ثم فإن بؤس الحياة التي يعيشها مرضى التدخلات الطبية راجعة إلى صراع انعدام التأكد، فهم لا يعلمون متى وكيف سيموتون، فبسبب التقنية والطب الحديث لم يعد هناك من يتساءل عن الأمور التي يفكر فيها المريض واهتماماته، إذ يركز الأطباء على مواجهة الموت بالأدوية والأجهزة الطبية والعمليات الجراحية لزيادة عمر المريض، ولا يخطر ببالهم أنهم يسيئون إلى الوقت المتبقي من عمره، فنحن ننتظر حتى يقول لنا الأطباء أن ليس في إمكانهم أن يفعلوا شيئًا، وفي الحقيقة نادرًا ما يعترف الأطباء أنهم لا يستطيعون فعل شيء!
إن ما يحتاج إليه المريض حينما لا يكون للعلاج مفعول، أو عندما يواجه عملية جراحية خطيرة، أو عندما يكون عاجزًا عن أن يساعد نفسه هو المحادثة والرفقة، وهو ما يطلق عليه الأطباء السويديون “حوارات النهاية”، وهي بذل الجهد من أجل تحقيق الأمور الثمينة في نظر المريض، وليس بذل الجهد لكسب الوقت، ويتمثل ذلك في أن يقضي المريض الوقت مع أهله وأسرته، وأن يفعل الأشياء التي يحبها، ويتناول المأكولات التي يفضلها، لذا يجب ألا تقتصر مهمة الأطباء على محاربة الموت، لأنه عدو لا يقهر، ولا مناص من انتصاره في النهاية، ومن ثمَّ يجب أن تضاف إلى وظيفة الطب الأساسية، وظيفة أخرى تتمثل في تقديم المساعدة التي تعين المرضى على محنتهم، لا أن يُرمى بهم في علاقة خالية من الحياة.
الفكرة من كتاب لأن الإنسان فانٍ.. الطب وما له قيمة في نهاية المطاف
الحياة قبل قرنين من الزمان تختلف عن الحياة الآن، إذ غيَّر التقدم العلمي مسيرتها بشكل كبير، ويظهر ذلك بوضوح في ما يتعلق بأعمار الناس، فالإنسان خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين أصبح يعيش فترات أطول وحياة أفضل بالمقارنة بأي وقت آخر، إلا أن هذا التقدم أوجد حالة جديدة لم تكن موجودة من قبل تتمثل في الشيخوخة، وصارت هي والموت أحداثًا طبية لا يتعامل معها إلا الأطباء، فحتى نهاية النصف الأول من القرن العشرين كانت غالبية حالات الوفاة تتم في المنزل
لكن بحلول الثمانينيات أصبحت 83% من حالات الوفاة تحدث في المستشفيات ودور الرعاية الطبية، والبقية إما يموتون فجأة في منازلهم، وإما لا يتسع الوقت لنقلهم إلى المستشفى، ومن هنا يستعرض المؤلف وجهًا مأساويًّا للحياة يتمثل في أننا نتقدم في العمر، ويكشف عن معاناة من وصلوا إلى سن الشيخوخة، ويُبين الأفكار الخاطئة التي وقع فيها الطب حول نهاية الإنسان المحتومة وطرائق التعامل معها.
مؤلف كتاب لأن الإنسان فانٍ.. الطب وما له قيمة في نهاية المطاف
أتول جواندي: هو طبيب أمريكي من أصل هندي، يعمل جراحًا في مستشفى بريجهام آند وِمِنز في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، وبروفيسور في كلية الطب في جامعة هارفارد ومدرسة هارفارد تي. إتش. تشان للصحة، فاز بجائزة لويس توماس للكتابة في مجال العلم، كما فاز بجائزة ماك آرثر، وجائزتين من المجلة القومية، من مؤلفاته:
Better
Complications
The Checklist Manifesto
معلومات عن المترجم:
عبد اللطيف الخياط: أديب ومترجم سوري الجنسية، متخصص في الأدب الإنجليزي من جامعة إسطنبول، وعمل في عدَّة جامعات عربية مثل: سورية والأردن والسعودية، وهو متخصص في ترجمة القصص والتربية وتطوير الذات والتاريخ. ومن ترجماته:
علم نفس النجاح.
من يشد خيوطك.