هل حقًّا نعلم ما هو الأفضل لنا؟
هل حقًّا نعلم ما هو الأفضل لنا؟
يناقش الكتاب الإجابة على هذا السؤال من خلال النظر في سلوكيات عديدة للفقراء، أولها سوء التغذية وهو المثال الأشهر للفقر (لا يعني ذلك المجاعات الشديدة)، فمع التقدم التكنولوجي السريع تُظْهِر الأرقام أن الطعام أصبح متوافرًا للجميع، فحتى أصحاب الفقر الشديد يمكنهم الحصول على تغذية مناسبة، ولكن الواقع يشير إلى أن الفقراء يستهلكون سعرات حرارية أقل بصورة اختيارية، ما المشكلة إذًا؟ الحقيقة هي أن الفقراء يفضلون الإنفاق على الطعام الأفضل مذاقًا بغض النظر عن قيمته الغذائية، وعلى الرغم من أن التغذية لا تصب في الإنتاجية بصورة مباشرة وبالتالي فلا يمكن التظاهر أن سوء التغذية هو السبب الرئيس للفقر، فإن التغذية الجيدة تؤثر بشكل كبير في صحة الأطفال والرضع من ناحية النمو الذهني والبدني والذي ينعكس مستقبلًا على قيمة الدخل اليومي للفرد.
ينطبق الأمر ذاته على الصحة، فمع توافر البرامج العلاجية وحملات التطعيم بالمجان وكذلك المبادرات لتوفير بنية تحتية لرفع مستوى المعيشة، فإن نسب إقبال الفقراء على مثل هذه المساعدات ضئيلة، ولكن هذا لا يُعَد دليلًا على عدم اهتمامهم بالصحة، ففي الواقع ينفق الفقراء الكثير في مقابل الاستشارات العلاجية ووسائل الاستشفاء، ولكن في الغالب تهدر هذه الأموال ولا تحقق الكفاءة المطلوبة.
ما السبب إذًا وراء عدم استفادة الفقراء من بعض الحلول التي قامت التكنولوجيا بتوفيرها؟ يرى الكتاب أن الجانب الإنساني مهم جدًّا عند النظر في هذه الأمور، فحياة الفقراء أكثر صعوبة وتفتقر إلى جوانب الترفيه المتاحة للآخرين، لذلك فقد يفضلون الاستمتاع اللحظي بوجبة غير صحية أو اتباع الموروث والمتعارف علية عِوَضًا عن الاستماع إلى الخبراء، ولكن هذه السلوكيات ليست بالضرورة نتيجة اقتناع تام، فقد وُجِدَ أن الفقراء لديهم استعداد لتغيير تلك العادات السيئة عندما تم إرشادهم إلى البدائل وتسهيل عملية الوصول إليها، لأنهم (كما هو الحال مع الجميع) يعانون مشكلة التسويف التي تنتج من عدم وجود فكرة متوافقة عن الحاضر والمستقبل في أذهاننا، فنحن نتخيَّل أننا نملك السيطرة على المستقبل بعكس الحاضر، ولكن المستقبل يصبح حاضرًا بدوره وعندئذٍ نقع تحت سطوته رغمًا عنَّا.
الفكرة من كتاب اقتصاد الفقراء: إعادة نظر في أساليب محاربة الفقر
بين تلك الصور النمطية ونظريات اليمين واليسار السياسي فيما يتعلق بسياسات محاربة الفقر، يقوم هذا الكتاب بمناقشة الوضع الحقيقي الذي يعيشه الفقراء في العالم، فمن خلال المعلومات والأدلة المستمدة من تجارب حقيقة وإحصائيات دقيقة، يحاول الكتاب أن يشرح الواقع من خلال تقديم نماذج أكثر تفصيلًا تصلح للدراسة المنهجية، واستنتاج الأسباب التي تدفع بالفقراء إلى اتخاذ قرارات وانتهاج سلوكيات تجعل الفرار من الفقر ورفع المستوى الاجتماعي شيئًا أقرب إلى المستحيل؛ ومن خلال هذا الفهم الشامل للمشكلة يمكننا أن نبادر بخطوات إيجابية لبناء عالم أفضل للجميع حتى ولو تطلَّب الأمر الكثير من الجهد والمحاولة.
مؤلف كتاب اقتصاد الفقراء: إعادة نظر في أساليب محاربة الفقر
أبهيجيت بانرجي وإستر دافلو: باحثان في الاقتصاد بجامعة MIT، وحاصلان على جائزة نوبل عام 2019 تقديرًا لجهودهما في تقديم حلول جديدة وعملية للمشاكل التي تواجه الفقراء في العالم، حيث قام الكاتبان بالمساعدة في إنشاء معمل “عبد اللطيف جميل” لمكافحة الفقر، والذي يختص بإجراء تجارب عشوائية مُحْكَمَة بهدف الحصول على معلومات ونشر أوراق بحثية تساعد على تقديم برامج قابلة للتنفيذ بالتعاون مع المنظمات المعنية بتقديم الدعم للفقراء، الحكومية والتطوُّعية.
قام الكاتبان بنشر كتاب آخر متعلق بنفس الموضوع هو “اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة”.
معلومات عن المترجم:
أنور الشامي: هو صاحب الترجمات “خرافة ريادة الأعمال”، و”شغف المغامرة”، و”البداية”.