هل تدوم الفرحة؟
هل تدوم الفرحة؟
تبدأ حكاية آسر بفرحة كبيرة داخل الأسرة حيث لا صوت يعلو فوق أصوات الابتهاج بقدومه إلى الدنيا، حتى إن الأيام التي تلت ولادته انقضت ما بين المهنئين والمباركين، ولكن هل دامت هذه الفرحة كثيرًا؟
مضى الشهر الأول بشكل طبيعي وكذلك كان الشهر الثاني، الذي لم يَشُبْه سوى تعبير آسر عن احتياجاته ببكاء وصراخ مرتفع، أما في الشهر الثالث فبدأ الوضع يتغير؛ لم ينتبه آسر لصوت أمه كبقية الأطفال في هذه السن، وكذلك لم يتفاعل مع أصوات الآخرين وحركاتهم وتعبيرات وجوههم، واستمر الوضع إلى الشهر الرابع بل زاد عليه عدم التفاعل مع الآخرين بالابتسام أو إصدار الأصوات المتنوعة، ثم جاء الشهر الخامس وفيه يبدأ الأطفال بتحريك شفاههم ويحاولون نطق بعض الحروف مثل الدال واللام.. فهل استطاع آسر فعل ذلك؟ مع الأسف لا؛ بلغ شهره السادس ولم ينطق حرفًا بشكل طبيعي، وكل ما فعله كان تكرار بعض الأحرف بشكل نمطي وغير موظف، وهكذا مضت السنة الأولى لآسر وهو لا يستطيع التمييز بين الأصوات ولا نطق الكلمات ولا الانتباه لإشارات وأوامر الآخرين ولا تسمية الأشياء.
والآن أتوجه إليك بالسؤال يا صديقي، ماذا لو كان آسر في بيتك؟ هل كانت هذه الاختلافات بينه وبين أقرانه ستلفت انتباهك أو تدعوك للتحرك؟ وتُرى ماذا فعلت أسرة آسر؟ شعرت أُم آسر بالقلق في بعض الأوقات ولكن كان جميع المحيطين يخبرونها أنه لا داعي للقلق، وأنه سيغدو طبيعيًّا مع الأيام، وهكذا ركنت الأم إلى الطمأنينة وعادت إلى عملها وانشغلت بأمور البيت، وبالمثل انشغل الأب في عمله الطويل، ودارت الأيام بآسر حتى وصل إلى عامه الثاني وأعراض الطيف التوحدي تزداد وضوحًا، فلم يستطع اللعب بجوار أخيه أو أي طفل آخر، ولم يقلد حركات أمه، ولم يسعَ إلى تكرار الأفعال التي تثير الضحك وتجذب انتباه الآخرين مثلما يفعل أي طفل في سنه، بل كان كل لعبه بالسيارة بمفرده وبشكل تكراري لفترات طويلة، كما ارتبط بالجلوس أمام التلفاز لأوقات طويلة.
ومع كل هذه العلامات لم تمنح الأسرة اهتمامًا للوضع، لظنهم أن كل هذا سيتحسن مع الأيام، فهل تحسن الوضع مع الأيام فعلًا؟ جاءت السنة الثالثة والمفاجأة -بالنسبة إلى أسرة آسر- أن علامات التوحد تزداد أكثر فأكثر ، فلم يكتسب أيًّا من المهارات التي يكتسبها أقرانه بسهولة، كالتعرف على الألوان والصور والاستجابة لطلبات الوالدين وغير ذلك الكثير.
الفكرة من كتاب أيامي مع التوحد: حكاية إرشادية للأمهات
التوحد! ما معنى هذه الكلمة؟ هل هو اضطراب نفسي؟ وما علامات هذا الاضطراب؟ وكيف يكون الشخص المصاب به؟ هل يعيش بشكل طبيعي؟ وكيف تكون حال أسرته؟ ثم يا تُرى ما احتياجاته؟ وهل يمكن أن يجد هذه الاحتياجات ذات يوم ويحظى بحياة جيدة؟ كل هذه الأسئلة وأكثر سنجيب عنها من خلال رحلتنا مع “آسر”، الذي سنصحبه في مشواره مع التوحد منذ أيامه الأولى.. فإذا أردت يومًا أن تخوض رحلة تشعرك بإنسانيتك وتثير فيك العطف والرحمة والتفهم، فلن تجد فرصة أفضل من هذه.
مؤلف كتاب أيامي مع التوحد: حكاية إرشادية للأمهات
أحمد البكري: حاصل على ماجستير اضطرابات النطق والتوحد، وباحث دكتوراه في اضطراب الطيف التوحدي، ولديه مركز خاص بتأهيل أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة.