هل بوسع الصحابة تجنُّب هذه الخلافات؟
هل بوسع الصحابة تجنُّب هذه الخلافات؟
تعتبر الفتن جزءًا من ابتلاءات هذه الأمة، وهي دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) التي منعت عنه، كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاص الذي ذكره الألباني في صحيح الجامع عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: “سألتُ ربي ثلاثًا، فأعطاني اثنتينِ، ومنعني واحدةً؛ سألتُ ربي أنْ لا يُهْلِكَ أمتي بالسَنَةِ، فأعطانيها، وسألتُهُ أن لَّا يُهْلِكَ أمتي بالغرَقِ، فأعطانِيها، وسألْتُهُ أن لَّا يَجْعَلَ بأسَهم بينَهم، فمنَعَنِيها”.
فمسألة وقوع الخلاف في الأصل هو قدر شرعي، وحكم ماضٍ، وحكمة خفية قد نعلم الغاية منها وقد لا نعلم لكن يكفينا أن مدبر الأمر يعلمها، وهي جزء من اختبار التمحيص والمفاضلة، ومختبر الثبات والإيمان كما يقول سبحانه تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ﴾، وقوله: ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُون﴾؛ وأما عن سؤال هل كان بإمكان الصحابة تجنُّب كل هذه الفتن؟؟
لا يمكن تصوُّر أنه كان بمقدورهم تجنُّب كل هذه الصراعات لأن الاطلاع على الأحداث وقراءة مجرياتها يعطينا فكرة لو بسيطة عن حجم الضغوطات التي واجهها الصحابة، وأنه لولا واجتهادهم وحرصهم لربما كانت العواقب أقسى من هذا وأمر، وبخاصةٍ ونحن نتحدث عن دين جديد في بيئة تشرَّبت الوثنية والخرافة، وعن دولة ناشئة حاولوا قدر استطاعتهم الحفاظ عليها ونجحوا في ذلك رغمًا عن الصراع والتثبيط، والمد الإسلامي وتبلور حضارة وثقافة إسلامية جديدة في عصور التالية يفغر للصحابة (رضوان الله عليهم) خلافهم هذا ويعذرهم فيه شاكرين لهم جهادهم ومساعيهم (رحمات الله عليهم).
الفكرة من كتاب حقبة من التاريخ
حظيت فترة الصحابة (رضوان الله عليهم) لا سيما بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بحظ وافر من الأحداث المزلزلة والمنعطفات السياسية والصراعات المسلحة والمواجهات التي غيرت مجرى التاريخ الإسلامي من بعدها، ونتج عن هذه الفتن والملاحم تغيرات جذرية ظهر على أثرها حركات ومذاهب وجماعات ونحل وطوائف كان بعضها بمثابة دين نقيض وموازٍ يحاول الفتك بجسد هذه الأمة من داخلها، ومن بين أهم هذه الصراعات هو الصراع السني الشيعي الذي بدأ من “عبد الله بن سبأ اليهودي” إلى صورته المذهبية الأخيرة التي انتهى إليها ونعرفها اليوم باسم “الشيعة”، ولتكون على مقربة من تلك الأحداث ستجد في هذا الكتاب سردية تاريخية موضوعية لما حدث من فتن في ذاك الزمن وما نتج عنها، حاول المؤلف جاهدًا توضيح حيثياتها لرفع اللبس الحاصل في شأن ملابسات تلك الفترة، ولدرء التهم عن شخوص مجموعة كبيرة الصحابة (رضوان الله عليهم).
مؤلف كتاب حقبة من التاريخ
عثمان بن محمد الخميس الناصري التميمي: كويتي الجنسية، حاصل على شهادة الماجستير في الحديث النبوي، كما حصل على شهادة الدكتوراه من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تلقَّى التعليم الشرعي على يد الشيخ الراحل محمد بن صالح العثيمين (رحمه الله)، وشغل منصب موجِّه أول في وزارة الأوقاف، كما كان رئيس مدرسة ورثة الأنبياء، وخطيبًا وإمام مسجد ومحاضرًا جامعيًّا في كلية الشريعة والدراسات الإسلامية في جامعة الكويت، ومن بين مؤلفاته: “من هو المهدي المنتظر”، و”شبهات وردود”، و”من القلب إلى القلب”، و”منهج الحق في العقيدة والأخلاق”.