هل الصين دولة توسعية؟ وهل يجب أن تتبنى النموذج الديمقراطي؟

هل الصين دولة توسعية؟ وهل يجب أن تتبنى النموذج الديمقراطي؟
يخبرنا التاريخ الطويل للصين أنها دولة غير توسعية، فعلى مدار ألفي عام كانت الصين من أقوى الحضارات في آسيا، ومع ذلك لم تَغزُ أراضي ما وراء البحار كما فعلت القوى الاستعمارية الغربية، كما أنها لم تحتل أي منطقة سواء كانت خارج حدودها أم بعيدة عنها ولم تغزُها، فمعظم الحروب التي خاضتها الصين كانت داخل الصين وليست خارجها، ومن ثم فإن غياب الأفكار التوسعية والاستعمارية عن الصينيين يرجع في الأساس إلى الثقافة الصينية التي تبجّل العلماء أكثر من الجنود، على العكس من الثقافة الأمريكية التي تقدس الرجل في الزي العسكري، وهذا يتجلى بوضوح في السياسة الخارجية لكلا البلدين، إذ تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية الخيارات العسكرية عندما تواجه تحديًا استراتيجيًّا، بينما تعتمد الصين على الدبلوماسية لمواجهة التحديات الاستراتيجية امتثالًا للحكمة الصينية القائلة: “إن الفوز بمئة انتصار ليس ذروة المهارة، بينما إخضاع العدو دون قتال هو ذروة المهارة”.

كما يوجد اختلاف جوهري آخر بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، فالصين لا تعتقد أن لديها “مهمة عالمية” لنشر الثقافة والحضارة الصينية والدفع باتجاه محاكاتها، بينما الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد أن العالم سوف يكون مكانًا أفضل إذا استوعب القيم الأمريكية، وتسعى جاهدة لجعل العالم يحاكيها، وهو ما أدى إلى تورط الولايات المتحدة في عديد من الحروب والصراعات العسكرية حول العالم دون أن تكون لديها مصالح وطنية في هذه الحروب والصراعات.
في مارس 2018م ألغت الصين تحديد فترة ولاية الرئيس الصيني “شي جين بينج”، وهو ما أثار موجة غضب وانتقادات غربية للصين، فوصفته التايمز أنه عودة إلى الاستبداد الماوي، وبناءً على هذه الخطوة التي اتخذتها الصين يرى كثير من المفكرين الأمريكيين وجوب استمرار ارتباط الولايات المتحدة الأمريكية مع الصين، إذ من شأن ذلك أن يؤدي إلى تسرب القيم الأمريكية، ومن ثم تنضم الصين إلى التيار الليبرالي الغربي السائد، إن اعتقاد الأمريكيين أن الارتباط بالصين سوف يؤدي إلى تسرب القيم الأمريكية وليس العكس، راجع إلى الثقة الزائدة بأن الديمقراطيات تقف على الجانب الصحيح من التاريخ، وأن النظم الاستبدادية تقف على الجانب الخطأ، لكن بالنظر إلى التاريخ الطويل للصين الذي يفوق تاريخ أمريكا بعشرة أضعاف، نجد أن الصين عاشت فترات كثيرة من الفوضى، ولهذا السبب فإن ما يخشاه الصينيون هو التفكك والانزلاق إلى الفوضى، لذا فإن إلغاء شي جين بينج لتحديد فترة الرئاسة هو تأكيد لسيطرته المركزية القوية للإبقاء على الصين قوية موحدة، وبناءً على ذلك فإن استمرار الحزب الشيوعي الحاكم في الصين قويًّا يمكن أن يكون مفيدًا للصين والعالم أكثر من الديمقراطية.
الفكرة من كتاب هل انتصرت الصين؟ التحدي الصيني للسيادة الأمريكية
يستعرض الكاتب الصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين على الهيمنة على العالم، ويبين أن الصراع حتى وقت قريب كان اقتصاديًّا وسياسيًّا، لكنه في الآونة الأخيرة أصبح يأخذ منحًى جديدًا تَمَثَّل في سباق تكنولوجي غير مسبوق بين الدولتين، ويكشف الكتاب بشكل موضوعي السياسة الخارجية للبلدين، والسياسة الخارجية لكل بلد تجاه الآخر، كما يبين أننا في خضم حرب باردة ثانية
لكنها ليست أيديولوجية كما كانت بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، بل حرب باردة سلاحها التكنولوجيا العالية التقنية، إلى جانب التنافس على القيم السياسية، فالصين تولي اهتمامًا لمبدأ الكفاءة في الحكم، وهو نموذج أصبح له رواج حول العالم، على عكس الغرب الذي يتبنى الديمقراطية التمثيلية.
مؤلف كتاب هل انتصرت الصين؟ التحدي الصيني للسيادة الأمريكية
كيشور محبوباني: بروفيسور سنغافوري وعميد كلية لي كوان يو للسياسة العامة التابعة لجامعة سنغافورة الوطنية، شغل منصب وزير خارجية سنغافورة، ومنصب ممثل سنغافورة الدائم في الأمم المتحدة ورئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة. من مؤلفاته:
هل يستطيع الآسيويون التفكير؟ فهم الهوة بين الشرق والغرب.
ما بعد عصر البراءة، إعادة بناء الثقة بين أمريكا والعالم.
نصف العالم الآسيوي الجديد: التحول الحتمي للقوة العالمية نحو الشرق.
معلومات عن المترجمات:
أسماء سيد عبد الخالق، ودينا أسامة السيد، وسمر عبد الله عطوة، ومنى هاني محمد، وهدير حسن أبو زيد، جميعهن من قسم البحوث والدراسات.