هل الشهادات الجامعية كافية لصناعة عقل مفكر؟
هل الشهادات الجامعية كافية لصناعة عقل مفكر؟
في الحقيقة لا، فغاية الأمر أن تحصل على ورقة من الجامعة تثبت أنك أنهيت هذا المستوى من التعليم، دون وجود أي علاقة مباشرة بين التفكير والدراسة الجامعية، فالعقل المفكر يحلل ويراجع ويفهم وينقد الأفكار والموروثات، ويأتي بالجديد، لكن ما تفعله الدراسة الجامعية على خلاف هذا، أنها تشجع على البلادة وضيق الأفق والتكرار، وتصنع أنماطًا محددة ينظم عليها الفرد تفكيره، فلا يغرد خارج ما هو موضوع له، وبهذا تجعل المرء يشعر بإحساس واهم بالامتلاء، وهذا الإحساس يزداد بزيادة الدرجة العلمية لحامل الشهادة، فحينها يكون هذا معناه اتصاله بأشخاص ومراجع أكثر، ودراسات أعلى، فيشعر بكفاءة كاذبة، وتقدم لا أساس له، وهذا الإحساس بالامتلاء يقلِّل من شعوره بنقص معرفته، وحاجته إلى المزيد، ويزيد من رضاه عن نفسه، وغروره، ولا شك أن هذا الخداع يصيب المتعلم أكثر من غيره.
والضرر من وراء مثل هذا الخلط يجعل الكفاءات المتصدرة لا تحسن نقد الأفكار، ولا الرد عليها، أو الإتيان بما هو جديد، وبخاصةٍ أنهم صاروا ينظرون اليوم إلى قضايا العلم بشكلٍ منفصل عن قضايا الفكر، وقد قال سعيد بن جبير (رحمه الله): “لا يزال الرجل عالمًا ما تعلم، فإذا ترك العلم وظن أنه قد استغنى واكتفى بما عنده، فهو أجهل ما يكون”.
الفكرة من كتاب النباهة والاستحمار
يتحدث الكاتب عن النباهة بنوعيها (الفردية) و(الاجتماعية)، ويرى أن “الاستحمار” ينتج عن كل ما هو خارج عن إطار هاتين النباهتين، وأن هذا الاستحمار أصبح معزَّزًا بالعلم، والإذاعة، والتليفزيون، والتربية والتعليم، مما جعل من الصعوبة بمكان التعرف عليه بدقة.
ووسيلة النجاة من شؤم التبعية والتقليد والاستهلاك دون الإنتاج، والاستنزاف الفكري.. بكون هاتين الدرايتين مقياسًا لكل إنسان، وأن أي دافعٍ لتحريف الفرد أو الجماعة عن هاتين النباهتين دافع استحمار، وإن كان من أكثر الدوافع قدسية.
مؤلف كتاب النباهة والاستحمار
علي شريعتي: مفكر إسلامي، ولد في الثالث والعشرين من شهر نوفمبر عام 1933، وانتقل إلى جوار ربه في الثامن عشر من يونيو عام 1977، حصل على شهادتي دكتوراه من السوربون، الأولى في تاريخ الإسلام، والثانية في علم الاجتماع، وعاد إلى إيران عام 1964، حيث عُيِّن مدرسًا بجامعة مشهد، وأسس حسينية الإرشاد لتربية الشباب عام 1969، واتخذها منبرًا لإلقاء محاضراته، واعتُقل أكثر من مرة، آخرها لمدة 18 شهرًا، وسافر على إثرها إلى لندن، ثم وُجد مقتولًا في شقته بعد 3 أسابيع من وصوله إليها، عن عمر يناهز الـ43 عامًا، وكان هذا قبل الثورة الإيرانية بعامين.
من أهم مؤلفاته: العودة إلى الذات، والنباهة والاستحمار، ومسؤولية المثقف. ويبلغ مجموع ما طُبع له في السبعينيات أكثر من 15 مليون نسخة.