نُعلم الآلات لتحل محلنا!
نُعلم الآلات لتحل محلنا!
ينقسم معسكر العلماء والفلاسفة قسمين عند الحديث عن عمل الآلات، القسم الأول يرى أن البشر والآلات متشابهون في معايير التفكير والإدراك والرغبة، ويقود هذا القسم عالم الرياضيات الشهير آلان تورنج، متبنيًا نظرة تهمّش العمل البشري مقابل عمل الآلة، ويقسمه أجزاءً متناهية في الصغر تمهيدًا لرقمنة أنشطته لتمكين الآلة من القياس والتعلم.
أما القسم الثاني فيرى الآلة عاجزة من دون الإنسان، فعملية تعلمها تتوقف عليه، وبدلًا من الانجراف وراء تجزئة العمل ورقمنته سعيًا وراء الأتمتة وتمكينها، يجب أن نتوقف لنتساءل، لماذا يُهمش عمل الإنسان باستمرار رغم مركزيته الحضارية ودوره الضروري في نمو الآلة؟ وهذا القسم يقوده الفيلسوف اللغوي لودفيج فِيتْجِنْشْتَاين، مؤكدًا عدم وجود معرفة مسبقة للآلات، بل هي بعض الخوارزميات التي تجري عمليات حسابية متتالية.
وللإجابة عن سؤال فِيتْجِنْشْتَاين، فسبب الإصرار على تهميش عمل الإنسان هو الضغط لتعظيم الربح وتخفيض النفقات، وهو ما يدفع بالآلات وعملية الأتمتة لتستبدل بالإنسان بديلًا أرخص وأكفأ، لكن مخاوف الإحلال ليست جديدة، ففي الماضي سعت المصانع إلى استبدال عمالة النساء والأطفال بالرجال، بل وبعض الأنشطة تؤديها الحيوانات.
أما الآن فالذي يحل محل الوظائف ليست الآلات بشكل كامل، بل آلات مدفوعة ومَقُودَة بموظفي نقرات الأصابع، كناية عن العمال الرقميين المسؤولين عن تعليم الآلة، وإصلاح أخطائها، وأداء الأنشطة التصنيفية والتكميلية، مما يمكن الآلة من القضاء على المهن التكرارية، ماذا عن تهديد مستقبل البشر بسبب هذا التغيير؟ يوجد نوعان من التغيير،كمي وكيفي، فمثلًا بعد اختراع الصرافات الإلكترونية انخفض عدد عمال البنوك، ولكن زادت فروع البنوك أيضًا، وهذا تغيير كمي ديناميكي، أما التغيير الكيفي فهو دمج عدة مهام إنسانية في دور واحد، والتغيران يسيران جنبًا إلى جنب، ولكن التهديد الحقيقي للبشر مختلف.
الفكرة من كتاب في انتظار الروبوت.. الأيدي الخفية وراء العمل الرقمي
يعمل سيمون في شركة بمدغشقر، تعرض هذه الشركة على المشاهير توفير الخدمات والمنتجات الترفيهية اعتمادًا على تقنية الذكاء الاصطناعي، ولكن في الحقيقة، من يقوم بالعمل هو سيمون وجموع غفيرة في عديد من الدول الفقيرة، ما يعني أن الذكاء الاصطناعي الحقيقي مجرد ستارة تخفي تحتها عاملين رقميين!
سنحاول كشف الغطاء عن الدور البشري في التطور التكنولوجي للآلات عبر ما يسمى بالعمل الرقمي، لنجيب عن أسئلة مهمة مثل: هل سنصل يومًا إلى ما يسمى بالأتمتة الكاملة؟ وهل ستجعلنا الروبوتات نعيش في عالم بلا وظائف؟ وما علاقاتها بالعمل الرقمي؟ وما مشكلاته؟ وكيف تستغله المنصات الكبرى؟ وما الذي يمكن للعمال فعله لتحسين ظروفهم؟
مؤلف كتاب في انتظار الروبوت.. الأيدي الخفية وراء العمل الرقمي
أنطونيو كازيللي: أستاذ علم الاجتماع الإيطالي الفرنسي، ولد في فبراير عام 1972م بإيطاليا، وحصل على الدكتوراه في عام 2006م من جامعة مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بفرنسا، وعمل منسق سيمينار دراسة الثقافات الرقمية منذ عام 2007م، حاز كتابه “في انتظار الروبوت.. الأيدي الخفية وراء العمل الرقمي” جائزتين، الكتابة الاجتماعية والجائزة الكبرى للحماية الاجتماعية، وله كتاب آخر بعنوان:
الروابط الرقمية.
معلومات عن المترجمة:
مها قابيل: مترجمة مصرية متخصصة في العلوم، من أعمالها الترجمية:
البيولوجيا: تاريخ وفلسفة.
الاستنساخ البشري.