نوم الحيوان

نوم الحيوان
لاحظ القدماء أحوال الحيوان في نومه ويقظته، ودونوا هذه الملاحظات في كتبهم، ولكن تلك الملاحظات لم تكن دقيقة ترتفع إلى المرتبة العلمية، وقد عد العلماء النوم سكونًا عن الحركة، وابتكر عالم يُدعى “زيمانسكي | Szymanski” جهازًا يُسمى مسجل الحركة، واستخدمه في دراسة نوم الحيوانات، وأجرى تعديلات في الجهاز تناسب جميع أنواع الحيوانات كالديدان أو الأسماك، ولاستخدامه بشكل صحيح يجب أن يوضع الحيوان في بيئة تتحقق فيها الشروط الطبيعية من حيث الحرارة والرطوبة، ويوضع في الصندوق طعام الحيوان والماء الذي يشرب منه، وقد تبين من دراسة طائفة كبيرة من الحيوانات، أن هناك حيوانًا وحيد الحال، وحيوانًا متعدد الأحوال، ويمتاز النوع الوحيد الحال أنه يقضي فترة طويلة في الحركة ثم تعقبها فترة أخرى طويلة في سكون، كما يشاهد في بعض أنواع العصافير مثل: الكناريا، والثعابين، والذباب والإنسان، أما النوع الكثير الحال فتتعاقب عنده أحوال من النوم واليقظة ويجري هذا التعاقب بانتظام يختلف باختلاف أنواع الحيوانات، كما يُشاهد في الضفادع والأرانب والفئران.

وتوجد لدى الحيوانات الوحيدة الحال علاقة وثيقة بين الظلمة والنوم، وبين النور واليقظة، فهي تُعد حيوانات بصرية، أي تهتدي في معرفتها بالعالم الخارجي وسلوكها إزاءه عن طريق البصر، أما الحيوانات العديدة الأحوال فلا تعتمد على البصر في سلوكها، بل تهتدي بحاسة أخرى كالشم كما في الأرنب والفأر، أو اللمس كما في ديدان الأرض، وكذلك ما يتبع اللمس من الإحساس بالحرارة كما في الثعبان، ولا يعني ذلك أن تلك الحيوانات لا تستعمل بصرها ولا تستفيد منه، بل معنى ذلك أن هناك حاسة أخرى هي الأولى تعتمد عليها في السلوك، وقد تتغير حالة الحيوان الطبيعية بالتعلم والاكتساب، فالقط البري ليلي يسعى في ظلمة الليل إلى اقتناص ما يقتات به، أما القط المستأنس الذي يعيش في البيت فينام في الليل أكثر مما ينام في النهار، كما وجد العلماء علاقة بين النوم وطول العمر وقصره، فالقوارض من الحيوانات القليلة النوم، لذلك هي قصيرة العمر، ولعل ذلك الدرس المستمد من علم الحياة يعلمنا أن الإسراف في النشاط وقلة النوم مدعاة إلى الإسراع في الفناء.
الفكرة من كتاب النوم والأرق
النوم فطرة الإنسان، فما له أن يتوهم دوام اليقظة، فهذا من صفات الله -عز وجل- الذي لا شريك له في صفاته، فقد قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ۚ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ۚ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، فيجب ألا يتطلع الإنسان إلى التسامي إلى مراتب الألوهية، بل عليه أن يقنع بالفطرة التي فطره الله عليها، ولكن الإنسان كلما أمعن في الحضارة ابتدع ألوانًا من الحياة لا تلائم فطرته، فقد أصبح الناس يسهرون طوال الليل، ثم ينامون معظم النهار، وهو عكس ما أمرنا الله به في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾، وهذا أدى إلى ظهور الأمراض المرتبطة بالنوم، منها مرض الأرق الذي يتناوله هذا الكتاب.
مؤلف كتاب النوم والأرق
أحمد فؤاد الأهواني: فيلسوف مصري، وأحد رواد الفلسفة وعلم النفس في العالم العربي، وُلِد في أكتوبر عام 1908م، وحصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من جامعة القاهرة عام 1929م، وحصل على شهادة الدكتوراه عام 1942م، كما شغل منصب رئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب جامعة القاهرة عام 1965م، وله مؤلفات عِدَّة، منها:
معاني الفلسفة.
في عالم الفلسفة.
الكندي: فيلسوف العرب.
فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط.