نور وضياء
دعنا قليلًا -عزيزي القارئ- نتصوَّر الحياة قبل الكهرباء، أيام القناديل والشموع، أكان مذاق الحياة أجمل حينها أم اليوم؟
فاليوم حين نفتح مصباح الضوء تقفز كل الأشياء في الغرفة إلى أعيننا، وفي سرعة قفزها ما قد يجرح العين ويصدم مشاعرنا، إلا أن نور القنديل والشموع يُبرز لنا الأشياء بالتدريج، فتظهر لنا أكثر عُمقًا وهدوءًا، فترسم لنا المكان ببطء تستوعبه قلوبنا، وكأنها تعطينا درسًا أنه من رحم الظلمة يخرج نور الحياة.
في ضوء الكهرباء سقوط مُفاجئ على الوجوه وكأنها تقفز من الغموض إلى الفضح العلني، أما الشمعة فتُبرز رقة الملامح وعذوبة الوجه، فهذا ضياء وهذا نور، والضياء لا نستطيع أن نُحدِّق إليه تمامًا كالشمس، لكن النور نتمتَّع حينما ننظر إليه، تمامًا كما نتمتع في النظر إلى القمر، يقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا﴾، والآن اسأل نفسك: هل تضيء قلبك أم تُنيره؟
وفي ضوء الشموع أحاديث كل الكُتَّاب، ففي ضوء الشمعة المُتراقص الذي يُلقي بظلاله على الجدران صورة الأشباح، فتولد الحركة مما لا حركة له، تمامًا كما يولد النور مما لا نور له، وهذا هو سر الشموع، والتي تعطينا دروسًا عديدة، إنها تذكِّرنا بالقوة الداخلية التي يمتلكها الإنسان، وكيف يصرف الإنسان قوته تلك إلى ما لا تستحقه، فالإنسان تمامًا كالشمعة حين يتكاثف الظلام ويختفي الضوء تكون الشمعة أشد نورًا، ويضيء الإنسان في شدة الظلام، ويُدرك ما يُدرك في الشدائد.
الفكرة من كتاب تأملات في عذوبة الكون
من منَّا الآن يندهش؟ يتعجَّب؟ يلقى في قلبه حرارة الجمال إن رأى أبسط المشاهد، هل فقد عصرنا اليوم الجمال؟ أم أننا فقدنا القُدرة على معرفة الجمال؟
حين خلق الله عز وجل الكون لم يجعله صغيرًا ضيِّقًا محدود المخلوقات والمظاهر والسُنن، بل كان كل شيء في تنوُّع واختلاف، ألوان، أشكال، روائح، والكثير من الأشياء التي تنعكس في النفس، فتُعزز جانب الفرح أو الحُزن، إلا أننا فقدنا القُدرة على الوقوف المؤقت اتجاه الأشياء، وتحريك أعيننا وقلوبنا اتجاهها، لذا اختزلنا هذا الكون الواسع فضاقت علينا نفوسنا.
بأسلوب شائق وجميل يأخذنا الكاتب في رحلة إلى كوننا الواسع لنتلمس معًا الكثير من الجماليات التي لم نلتفت إليها يومًا.
مؤلف كتاب تأملات في عذوبة الكون
أحمد شفيق بهجت (1932- 2011): أديب وصحفي مصري، حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، عمل كاتبًا صحفيًّا في عدد من الصحف المصرية، ثم شغل منصب رئيس مجلس الإدارة ورئيس تحرير مجلة الإذاعة والتليفزيون، ثم نائب رئيس التحرير للشؤون الفنية بجريدة الأهرام، قدَّم برنامج “كلمتين وبس” الذي طُرح على مدى 30 عامًا على إذاعة البرنامج العام.
من أبرز مؤلفاته: “مذكرات زوج”، و”مذكرات صائم”، و”أنبياء الله”، و”بحار الحب عند الصوفية”، و”ثانية واحدة من الحب”.