نهضة صانعي الساعات.. الجبال المعزولة تصبح وجهة رومانسية
نهضة صانعي الساعات.. الجبال المعزولة تصبح وجهة رومانسية
في القرن الرابع عشر لم تكن صناعة الساعات السويسرية بهذا الزخم والشعبية التي نراها اليوم، كان صناع الساعات السويسريون رائعين، لكنهم مُحاطون بآخرين عباقرة، ومع موجات الاضطهاد للبروتستانت في فرنسا جاء المهاجرون من باريس حاملين معهم لسويسرا صناعة ناضجة وحرفة متقَنة للغاية، ودائمًا ما ارتبطت حرفة الساعات في سويسرا بطبيعة الرجال في هذه الصناعة، لقد تميزت الساعات السويسرية في بداية الأمر بالدقة والتكلفة المثاليتين، لكن سَرعان ما أصبحت اليد العاملة السويسرية مُكلِّفة للغاية ومتأخرة عن ركب الصناعة التكنولوجية الجديدة، كان الأمر يتطلب سوقًا خاصة لازدهار الصناعة السويسرية من جديد، وكانت هذه بداية السلعة ذات الشخصية الأرستقراطية.
حتى بداية القرن التاسع عشر، كان السويسريون من مصنعي الساعات الأهم في العالم، لكن كان الوقت قد حان لحسم هذه الحرب، ولم تكن لتُحسَم إلا على يد الاسم السويسري الأشهر “روليكس”، كانت الفكرة وقتها ثوريةً، ساعة تُوضع على المعصم، ولما كان رؤساء “روليكس” متابعين جيدين للموضة، لاحظوا أن عصر ساعة الجيب مع الصدرية التقليدية قد انتهى، ومع بداية الحرب العالمية الأولى، اختبر الجنود دقة هذه الساعات وفاعليتها، وقادت “روليكس” سويسرا إلى احتكار الصناعة بعد هذا الابتكار.
ربما كانت سويسرا على فترات متفاوتة بلدًا صناعيًّا، لكنها لم تكن في أي وقت سابق وجهةً سياحية، لكن مع سيطرة التيارات الرومانسية، أصبح هذا المكان المنعزل يُقدَّم مهربًا من ضجيج مصانع أوربا، وبالرغم من مبدأ الحياد الذي اتخذته سويسرا تجاه النزاعات الأوربية فقد تأثرت أيضًا بحروب القوم، ومع الحرب العالمية الثانية تضرر القطاع السياحي بشدة، لكن سَرعان ما عادت الأفواج بعد توقف العمليات القتالية، وهذه المرة لم تكن المناظر السويسرية حِكرًا على الأثرياء فقط، فقد أصبح القطاع متنوعًا للغاية، مع أسعار متفاوتة وخِدْمات أقل.
يظل قطاع السياحة السويسري مشتتًا للغاية بين الأفواج الشعبية والسياحة المتخصصة؛ من حيث العمالة فالسياحة الجماعية ممتازة جدًّا، أما من حيث الربح، فلا جدال في أن السياحة والخدمة الفندقية الفاخرة هي سمعة سويسرا، ونصيرتها في المنافسة.
الفكرة من كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
كان وضع سويسرا قبل الثورة الصناعية ومستقبلها في وسط أوربا مشكوكًا فيه طوال الوقت، بلد يفتقر إلى الكثير من مقومات الحضارة، ليس لديه ثروة طبيعية يُمكن الاعتماد عليها، سلاسل جبلية تقف عائقًا أمام أي اتصال حقيقي، وتفقد البلاد الكثير من ميزات موقعها الاستراتيجي.
ربما كان غياب الهدف وانعدام الأمل في المستقبل هو ما أسس لمجتمع سويسرا الريادي؛ لا وجود لتوجيهات أو حواجز، ولا رؤية عامة تحدد اتجاه الاقتصاد، أو رعاية حكومية تستهدف قطاعات معينة، يسرد لنا المؤلف تاريخ هذه الرحلة، ويجيب عن السؤال الأهم: هل مستقبل سويسرا الريادي ملهم كماضيها؟
مؤلف كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
آر جيمس برايدنج: كاتب ورجل أعمال سويسري، حصل على شهادة الماجستير من كلية كينيدي بجامعة هارفارد، أسس شركة “رينيسانس كابيتال” الاستثمارية في زيورخ، كتب عديدًا من المقالات حول سويسرا لدى جريدة “ذي إيكونوميست”، وشارك في تأليف كتاب “سويسرا معجزة الاقتصاد”.
عن المترجم:
بسمة الجويني: مترجمة ومعلمة لغة عربية تونسية، وحاصلة على درجة الماجستير في الترجمة.