نهاية التذكُّر
نهاية التذكُّر
قديمًا، لم يكن بالإمكان فعل أي شيء بالأفكار سوى حفظها حتى قبل التفكير في الاستفادة منها، على عكس أيامنا الحالية، فقد قمنا بإحلال ذاكرتنا الطبيعية في نظام من التقنيات المتقدمة، وهكذا اختلفت طريقة استخدامنا لأدمغتنا، فالكتابة عند سقراط كانت مجرد محفِّز للذاكرة لأنه خاف أن تؤدِّي الكتابة إلى هلاك الثقافة وجعل الناس مجرد أوعية فارغة، لكننا الآن نكتب حتى لا نضطر إلى حفظ أفكارنا في الذاكرة.
كانت القراءة في العصور الوسطى قراءة جَهرية بسبب خلوِّها من علامات الترقيم والتصاق الكلمات بعضها ببعض، وبالتالي كانت تتطلَّب من القارئ اعتياد النص وأحيانًا حفظه، ولهذا رُفِضت قديمًا فكرة الفصل بين الكلمات لأن القراءة بالنسبة لهم كانت تعني أن تستذكر، وكان هدف تمارين الذاكرة أن يصبح الشخص فهرسًا حيًّا، ولكننا نقرأ الآن بسرعة وسطحية ولهذا ننسى، أما إذا أردنا الاحتفاظ بالنص في ذاكرتنا فعلينا بذل مجهود.
تنبَّأ مهندس يُدعى غوردن بيل بأن الأجهزة الرقمية ستتذكَّر كل شيء نيابةً عنا، وبالفعل قام بيل بأرشفة كل تفاصيل حياته لخمسين عامًا داخل صيغة رقمية على جهازه، وأصبح بإمكانه البحث عن أي شيء حدث في أي فترة، ولكنَّ ذاكرتَي بيل الداخلية والخارجية لا تتفاعلان بشكل تلقائي، فهو يبحث عن المعلومة داخل الكمبيوتر ثم يُدخلها إلى دماغه بحواسه، وربما في المستقبل سنتمكَّن من استخدام هذه الذاكرة الخارجية كأنها امتداد لنا بفضل الاختراعات الحديثة.
الفكرة من كتاب رقصة القمر مع آينشتاين: فن وعلم تذكُّر كل شيء
يسرد هذا الكتاب رحلة شخصية للصحفي جوشوا فوير، وقد بدأت بفضول حول أبطال الذاكرة، وانتهت بفوزه ببطولة الولايات المتحدة الأمريكية للذاكرة عام 2006؛ هذه ليست حكاية لبطل خارق أو عبقري مكبوت، وإنما حكاية شخص عادي ذي ذاكرة متوسطة، تمرَّن وقرأ وبحث لمدة عام واحد حتى حقَّق ما حقَّقه، وهو يدعونا للتعلُّم من رحلته وفك شيفرات ذاكرتنا.
مؤلف كتاب رقصة القمر مع آينشتاين: فن وعلم تذكُّر كل شيء
جوشوا فوير : صحفي وكاتب مستقل أمريكي، ولديه اهتمام كبير بالعلوم، وفاز ببطولة ذاكرة الولايات المتحدة لعام 2006.
من أعماله: Atlas Obscura: An Explorer’s Guide to the World’s Hidden Wonders.
معلومات عن المترجم:
محمد الضبع: مُترجم وشاعر سعودي من أصل يمني، ولد عام 1991 في جدة، وأنجز الكثير من الترجمات في مدونته “معطف فوق سرير العالم”.
من ترجماته: “كتاب الراحة”، و”سنة القراءة الخطرة”.