نهاية الأحلام.. هذا الكابوس الفارسي لا بد عائد
نهاية الأحلام.. هذا الكابوس الفارسي لا بد عائد
كانت الأرزاق والغنائم وتقسيمها أيسر ما جَدَّ في خلافة عمر، فلم يراع في سياسته طعام الناس وشرابهم فقط، بل حاول أن يكفلهم في جميع أمورهم، فكان يستقصي الأخبار ويمشي في مساء المدينة يسمع الهمس والمناجاة التي لا تُبث إلا بالليل، فيباشر علاجها بالنهار وأخباره في ذلك عجيبة، على أنه لم يُولي المدينة وحدها بهذا الاهتمام، فكان يأمر ولاته بأن يأتوا كل عام على رأس قوافل الحجيج حتى يُشهد عليهم رعيتهم ويسألهم عن ولاتهم ويأخذ الحقوق مباشرة لهذا من ذاك، لم يكن المُسلمون بين كل هذا المجد والسؤدد يحسبون للدهر حسابًا، كان الزمان قد لان لهم وأدركوا أن هذا وقت دولتهم، ولكن الله ابتلاهم بعام الرمادة الذي سيذكرونه كثيراً؛ انتشر القحط في جزيرة العرب ولم يجد أحد إلا المدينة مفرًّا، وقد اجتمع على أهل المدينة القحط والعرب، فقد كانوا يأكلون مع الشدة، ولكن من أين لهم بما يكفيهم ويكفي الناس، فطلب عمر المدد من ولاته على الأمصار فأمدوه، وبدأ في توزيع الأرزاق على البوادي.
لم تقتصر خلافة عمر على دنيا المسلمين، فقد كان يراعي أحوال زمانه ويجتهد بناءً على الأصلح وعلى سيرته مع رسول الله وأبي بكر، لا يبتدع ولكنه يُفتي ويستشير ويقرر الأيسر للناس، لم يهنأ المسلمون بهذه الخلافة قدر ما أرادوا، فقد قضى الله بأن تنتهي فترة عمر بالاغتيال بطعنات مسمومة من أبي لؤلؤة الذي أكثر الرواة حول أسبابه لقتل الخليفة، لم يرد عمر أن يتكرر ما حدث عند خلافة أبي بكر، ولم يشأ أن يفرض رأيه عليهم فسن لهم طريقة تصلح لتحقيق آمالهم وتقصر الأمر على أهله ولا تحجر السلطة في يد فئة واحدة وتُشرك المُسلمين جميعًا في اختيار خليفتهم، فسمى لهم ستة من صحابة رسول الله يجعلون أمر الخلافة ويُحبسون ثلاثة أيام حتى يستشيروا ويختاروا واحدًا منهم لخلافة المسلمين، وهكذا لم يمت عمر إلا وقد قضى ما عليه للإسلام والمسلمين، وأقر لهم أنظمتهم وسننهم وأقام دولتهم وفق ما رأى من سنة رسول الله وحكمته، التي سيرمي إليها المسلمون بقية تاريخهم عسى أن يستعيدوا تلك الأيام.
الفكرة من كتاب الشيخان
لقد حظيت فترة حكم الخليفتين عمر وأبي بكر (رضي الله عنهما) باهتمام كبير طوال تاريخ المسلمين، ذلك لأنهما كانا أسوة حسنة لمن تلاهما، فاقتفوا أثرهما راجين أن يُوفقوا في اتباعهما، هنا يتتبع طه حسين سيرة الشيخين في الجاهلية والإسلام، مبرزًا أهم التحديات التي واجهتهما، وكيف كانت مواقفهما منها، وكيف أقاما بنيان دولة ظلت قواعدها راسخة لمئات السنين.
مؤلف كتاب الشيخان
طه حسين، عميد الأدب العربي ومن أبرز الأسماء في الفكر الحديث، ولد في محافظة المنيا عام 1889، وتلقى تعليمه الأولي في الأزهر ثم في الجامعة المصرية التي حصل فيها على الدكتوراه في الفلسفة، ثم أوفد إلى جامعة مونبلييه بفرنسا ليكمل دراسته وأبحاثه بها ويعود إلى مصر، ليُعين أستاذًا للتاريخ اليوناني والروماني في الجامعة المصرية.
دائمًا ما أثارت مؤلفات وأطروحات طه حسين الجدل وما زالت تثيره حتى يومنا هذا، ومن أبرز مؤلفاته:
ذكرى أبي العلاء.
في الشعر الجاهلي.
الفتنة الكبرى.
الأيام.
مستقبل الثقافة في مصر.