نموٌّ وموتٌ وجزئياتٌ دخيلة
نموٌّ وموتٌ وجزئياتٌ دخيلة
تنمو خلايانا بشكلٍ منظم جدًّا يتطلَّب –كما يذكر الكتاب- تصريحًا وتعاونًا من أنسجة كاملة، وتنمو الخلايا بقدرٍ يحافظ على صحة الأنسجة ونشاطها، لكن أحيانًا يفشل التواصل بين الخلايا وتتعطَّل بعض الجينات أو تحدث بها طفرات تكون غير مؤذية في البداية لكنها تكثر وتتراكم، فتنمو خلايا غير طبيعية مسببةً السرطان.
وتواجه الخلايا الحية كثيرًا مما يهدِّد حياتها بآلياتٍ مختلفة، مثل حاجتها إلى إصلاح جزيئات الـDNA التي تهدِّدها الحرارة وتُحِدث بها الأشعة فوق البنفسجية خللًا في كل ثانية تتعرَّض فيها لضوء الشمس، والتي تتم بآليات مثل الإصلاح بإزالة النيوكليدات، وحاجتها إلى تحطيم بروتينات معينة دون تدمير كل شيء وتفي بها الجسيمات المحلِّلة للبروتين مع بروتين اليوبكوتين الذي يرتبط بالبروتينات القديمة ليُميِّزها.
وأما شيخوخة الخلايا وموتها فأمر يعتريه غموض كبير، لكن تربطه بعض الأبحاث بتراكم صور عالية التفاعل من الأكسجين في الخلايا نتيجة تنفُّسها مسببًا تلفًا وطفرات، وأحيانًا تنتحر الخلايا بتفعيل الموت المبرمج للخلية الذي تديره إنزيمات تُسمَّى كاسبيسس Caspases، لكي تموت موتًا نظيفًا لا يؤذي الخلايا المجاورة في حالاتٍ مثل الإصابة بالفيروسات، والفيروسات هي كائنات أنانية –كما يصفها الكتاب- تقتحم الخلايا وتسيطر على وظائفها لتجبرها على أداء مهمة واحدة هي إنتاج مزيد من الفيروسات.
ومع أن عالم الجزيئات صغير جدًّا ويبدو بعيدًا عنا، إلا أننا نؤثر فيه كثيرًا، كما يحدث عند تناولنا للفيتامينات التي لا تصنعها أجسادنا لكنها تحتاجها مثل فيتامين (أ) الضروري لامتصاص الضوء في شبكية العين، وفيتامين (سي) الضروري لبناء الكولاجين، وفيتامين (د) الذي ينظم الكالسيوم في
العظام، وكما يحدث عند تناولنا لسموم توقف عمل جزيئاتنا الحساسة مثل أول أكسيد الكربون الذي يرتبط بالهيموجلوبين أكثر من الأكسجين بـ250 مرة فيمنع نقله من الرئتين إلى أنحاء الجسم، والسيانيد الذي يعوق تنفُّس الخلايا بشغله مكان الأكسجين في تفاعل إنتاج الطاقة، والإنزيمات السامَّة من البكتيريا الممرضة التي نواجهها بالمضادات الحيوية التي تعدُّ سمومًا انتقائية تهاجم آلات جزيئية في البكتيريا تختلف عن الإنسان، مثل البنسلين الذي يوقف عمل الإنزيم الباني لطبقة البيبتيدوجلايكن في جدار البكتيريا الخلوي، والطب من قديم الزمان إلى يومنا هذا يعتمد كثيرًا على استعمال مواد كيميائية معيَّنة لإحداث تغييرات في جزيئاتنا، ومع فهمنا للكيمياء الحيوية بشكلٍ أوسع صار ممكنًا أن نعدِّل كثيرًا من الجزيئات السامة ونستعملها حسب احتياجاتنا.
الفكرة من كتاب آلات الحياة
هل فكَّرت من قبل في حجم الخلية؟ إنها أصغر ألف مرة من مفصل إصبعك الصغير، أي كحبة أرزٍ بالنسبة للغرفة التي تجلس فيها، وفي إصبعك بليون خلية، كبليون حبة أرز تحتاجها لملء غرفتك!
وفي داخل الخلية الحية، هناك عالم غير مرئي تملؤه العجائب؛ آلاتٌ دقيقة الحجم من الذرات والجزيئات يختلف تأثُّرها بالجاذبية والضغط وغيرها من العوامل اختلافًا كبيرًا عما ألفناه، وتعمل بكفاءة ودقة عالية في عالمٍ مزدحم وسريع، فما قصة تلك الآلات؟ وما العمليات التي تؤديها؟ وما قصة الفيروسات؟ وماذا عن الفيتامينات والسموم والعقاقير؟ هذا ما سنعرفه من خلال جولةٍ داخل الخلايا الحية المختلفة يأخذنا فيها هذا الكتاب.
مؤلف كتاب آلات الحياة
ديفيد س. جودسل: ولد عام 1961، وهو أستاذ مشارك في البيولوجيا الجزيئية بمعهد أبحاث سكربس Scripps Research Institute بكاليفورنيا، وأستاذ باحث بجامعة روتجرز Rutgers University في نيو جيرسي، كما أنه أحد مطوِّري برنامج AutoDock الذي يُعد من أشهر البرامج المستخدمة في الالتحام الجزيئي Molecular docking، ومعروف باستعمال مهاراته في الرسم وبرامج الحاسوب لعمل لوحات تجمع بين الإبداع والدقة العلمية، وله اهتمام بتبسيط العلوم لغير المتخصصين والطلاب والباحثين المبتدئين؛ فألَّف كتبًا في ذلك، منها:
Atomic Evidence: Seeing the Molecular Basis of Life.
Bionanotechnology: Lessons from Nature.
Our Molecular Nature: The Body’s Motors, Machines, and Messages.
والكتاب الذي بين أيدينا: آلات الحياة The Machinery of life.
معلومات عن المترجم:الدكتور وليد محمود الشارود: أستاذ مساعد بكلية الزراعة جامعة المنصورة، حصل على الدكتوراه في فسيولوجيا الميكروبات وميكروبيولوجيا الأغذية من جامعة ريدنج ببريطانيا، وكتب العديد من المقالات العلمية المبسَّطة بالعربية، وهو أحد مترجمي مجلة العلوم العربية، ورئيس تحرير البيولوجيا والعلوم الحيوية بمجلة التقدُّم في العلوم – Science progress التي تصدر في بريطانيا منذ أكثر من مئة عام.