نمطان من العمل الرقمي
نمطان من العمل الرقمي
أما النمط الثاني للعمل الرقمي فهو العمل الجزئي، وهو إنجاز أنشطة تقليدية بمهارات منخفضة تحتاج إليها الخوارزميات بشكل رئيس، مثل: تصحيح قواعد البيانات، أو تعليقات توضيحية على مقاطع الفيديو، أو الفرز والتبويب، ومن أشهر منصات ذلك النمط الرقمي من العمل أمازون ميكانيكال تُرك | Amazon Mechanical Turk، التي تختلف فيها أجور العاملين حسب توزيعهم الجغرافي، وتعتمد عليهم الشركات في أداء المهام بدلًا من الموظفين المتخصصين المكلفين.
ولتعويض حياديتها المدّعَاة، تمكن المنصة المستخدمين ومقدمي الخدمات من تقييم بعضهم بعضًا، بينما تستغلهم بعدة طرائق، فمثلًا تفرض عليهم خدمات الدفع، وتقتطع جزءًا من الأرباح، بالإضافة إلى الاستئثار بالبيانات، أما مشكلات العاملين فتتنوع من تقلب ظروف العمل، إلى فقدان الحماية الاجتماعية، بجانب عدم إمكانية نقل المهارات أو إنجازاتهم من منصة رقمية إلى أخرى، مما ينتج محاولات عديدة للهروب من المنصة لتوزيع المهام خارجيًّا.
أما النمط الثالث من العمل الرقمي فهو العمل الاجتماعي عبر الشبكة، ويتعلق بصورة رئيسة بإثراء وتبادل المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي التي تختلف بحسب طبيعة المحتوى الاجتماعي، حينها يحدث توحد بين المستهلك والمنتج، فالفرد يؤدي الدورين معًا، يستهلك المحتوى وينتجه، ولكن مع القيمة الكبيرة التي تخلقها بيانات المحتوى، وتحقيقها أرباحًا طائلة، ترفض الشركات المالكة لمنصات التواصل الاجتماعي اعتبار المستخدمين عاملين بالمعنى القانوني، بل هم مشاركون طواعية رغبة في الاستمتاع، بالإضافة إلى أن القيمة الحقيقية تتولد من الخوارزميات وليست من البيانات.
يمكن تفسير محاولات تهميش العمل من قبل الشركات الكبرى، محاولةً للقضاء على الصراع المعتاد بين رأس المال والعمال، فبمجرد الاعتراف بصناع الترفيه والمحتوى الاجتماعي على المنصات عمالًا بالمعنى القانوني، سينخرطون في صراع مباشر مع الشركات للحصول على حقوقهم.
الفكرة من كتاب في انتظار الروبوت.. الأيدي الخفية وراء العمل الرقمي
يعمل سيمون في شركة بمدغشقر، تعرض هذه الشركة على المشاهير توفير الخدمات والمنتجات الترفيهية اعتمادًا على تقنية الذكاء الاصطناعي، ولكن في الحقيقة، من يقوم بالعمل هو سيمون وجموع غفيرة في عديد من الدول الفقيرة، ما يعني أن الذكاء الاصطناعي الحقيقي مجرد ستارة تخفي تحتها عاملين رقميين!
سنحاول كشف الغطاء عن الدور البشري في التطور التكنولوجي للآلات عبر ما يسمى بالعمل الرقمي، لنجيب عن أسئلة مهمة مثل: هل سنصل يومًا إلى ما يسمى بالأتمتة الكاملة؟ وهل ستجعلنا الروبوتات نعيش في عالم بلا وظائف؟ وما علاقاتها بالعمل الرقمي؟ وما مشكلاته؟ وكيف تستغله المنصات الكبرى؟ وما الذي يمكن للعمال فعله لتحسين ظروفهم؟
مؤلف كتاب في انتظار الروبوت.. الأيدي الخفية وراء العمل الرقمي
أنطونيو كازيللي: أستاذ علم الاجتماع الإيطالي الفرنسي، ولد في فبراير عام 1972م بإيطاليا، وحصل على الدكتوراه في عام 2006م من جامعة مدرسة الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية بفرنسا، وعمل منسق سيمينار دراسة الثقافات الرقمية منذ عام 2007م، حاز كتابه “في انتظار الروبوت.. الأيدي الخفية وراء العمل الرقمي” جائزتين، الكتابة الاجتماعية والجائزة الكبرى للحماية الاجتماعية، وله كتاب آخر بعنوان:
الروابط الرقمية.
معلومات عن المترجمة:
مها قابيل: مترجمة مصرية متخصصة في العلوم، من أعمالها الترجمية:
البيولوجيا: تاريخ وفلسفة.
الاستنساخ البشري.