نكسة عام 67
نكسة عام 67
إن مسؤولية نكسة 67 تقع أولًا وأخيرًا على القيادتين السياسية والعسكرية، إذ كان على القيادة السياسية أن تكون حازمة وحاسمة وواضحة في عدم استفزازها للعدو، وإعطائه المبرر للقيام بالهجوم الكاسح الذي حدث، أما بالنسبة إلى القيادة العسكرية، فكان عليها أن تكون أمينة مع نفسها، وأن ترفض الزج بها في حرب مع إسرائيل، وهي المطلعة على حقيقة أوضاع القوات المسلحة، ومدى تسليحها وإمكانياتها، خصوصًا في ما يتعلق بالطيران والدفاع الجوي، فقد كانت القوات المسلحة خصوصًا في يوم 5 يونيو أي يوم النكسة في أسوأ حالاتها لوجود قطاع كبير، مهم وضارب من خيرة المحاربين وأكثرهم صلابة، في اليمن بجميع أسلحته، ما أدى إلى استدعاء 100 ألف من جنود الاحتياط الذين كانوا قد نسوا التدريب، بل والعسكرية كلها!
لقد بدأت أحدث نكسة 67 من سوريا عندما حدث فيها انقلاب، وحاول السوفييت عقد معاهدة دفاع مشترك بين مصر وسوريا، لحماية النظام الجديد في سوريا، الذي سرعان ما تبنَّى موقفًا يساريًّا ثوريًّا متطرفًا، وفي إبريل من عام 67 أسقطت إسرائيل 6 طائرات سورية في يوم واحد، فطلبت سوريا والعرب جميعًا أن تهب مصر لنجدة سوريا، وأخذ العرب يُعايرون عبد الناصر بأنه يقف ساكنًا ولم يتحرك، وكان السبب في عدم تحرك عبد الناصر أن القوى القومية في سوريا قد أرسلت إليه تحذيرًا يتضمن أن النظام السوري يسعى إلى جر مصر إلى حرب.
أما لغز الحشود الإسرائيلية على حدود سوريا، فإن السوفييت أبلغوني أن هناك حشودًا إسرائيلية على سوريا، وقد بعثتُ برقية على الفور إلى عبد الناصر وأردفت فيها قولي: وقد ترون عرض الموضوع على الأمم المتحدة، وذلك لخوفي من أن نجر إلى حرب، ثم قام الفريق محمد فوزي بالسفر إلى سوريا وزار هو والقادة العسكرية السورية الجبهة السورية بالهليكوبتر، وعادوا يؤكدون أنه لا توجد حشود إسرائيلية على سوريا! ورغم ذلك أكد السوفييت أن هناك حشودًا وأنهم متيقنون من ذلك، ثم تداعت الأحداث وحشدت مصر قواتها على الحدود مع إسرائيل، ووصل الموقف إلى منتهى التوتر، إذ أغلقنا مضيق تيران، وأخرجنا قوات الطوارئ الدولية، وبدأت الحرب في يوم 5 يونيو، واتضح أن الحشود الإسرائيلية كانت على مصر لا سوريا! كما اتضح أن الطوق الذي ظن العرب أنهم أقاموه حول إسرائيل كان فخًّا، إذ إن إسرائيل هي من خططت لدفع العرب لتطويقها بالحشود من مصر وسوريا والأردن، حتى إذا ضربت ضربتها أظهرت للعالم أنها كانت تدافع عن نفسها!
الفكرة من كتاب مع عبد الناصر والسادات… سنوات الانتصار وأيام المحن
يذكر الدكتور مراد غالب في مذكراته التي بين أيدينا العديد من الأحداث والمواقف التي شهدها وعايشها خلال توليه العديد من المناصب الهامة في الدولة المصرية خلال فترة حكم عبد الناصر والسادات.
مؤلف كتاب مع عبد الناصر والسادات… سنوات الانتصار وأيام المحن
مراد غالب: هو طبيب مصري، تخرج في كلية الطب، وحصل على درجة الدكتوراه، وعمل أستاذًا للأنف والأذن والحنجرة بجامعة الإسكندرية، كانت له علاقة صداقة قوية بعددٍ من الضباط الأحرار، وكانت له أنشطة وطنية قبل ثورة 23 يوليو، وقد أقنعه الرئيس جمال عبد الناصر بترك الطب والدخول في العمل السياسي، عمل في العديد من المناصب، أهمها، العمل سكرتيرًا ثالثًا للسفارة المصرية بموسكو بالاتحاد السوفيتي، ثم مستشارًا للرئيس جمال عبد الناصر، ثم وكيلًا لوزارة الخارجية، ثم سفيرًا لمصر بالكونجو، ثم سفيرًا لمصر بموسكو منذ عام 1961 إلى عام 1971، وفي عهد الرئيس السادات شغل منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية، ثم وزيرًا للخارجية، ثم وزيرًا للإعلام، ثم وزيرًا للوحدة بين مصر وليبيا، ثم سفيرًا لمصر بيوغسلافيا، وفي نوفمبر عام 1977 قدَّم استقالته احتجاجًا على زيارة الرئيس السادات للقدس وتوقيعه معاهدة السلام، وفي عام 1988 انتخب رئيسًا لمنظمة الشعوب الأفروأسيوية وظل في هذا المنصب حتى وفاته عام 2007.
لعب دورًا كبيرًا في توطيد العلاقات وتقويتها بين مصر والاتحاد السوفييتي، وقد حصل على وسام (بطل العمل الاشتراكي) وهو أحد أرفع الأوسمة بالاتحاد السوفييتي.