نقد المواقف السابقة
نقد المواقف السابقة
إن أي نقد للمواقف السابقة لا يخلو من وجود نظرة مسبقة لدى الناقد، لذلك سنكتفي بذكر بعض مواطن القصور بشكل سريع.
لا يخفى وجه قصور المواقف الطبيعية في كونها تنزع المسؤولية عن الإنسان وتضع زمام الإنسانية في يد حتمية القوانين الطبيعية.
وكذلك تفعل أيضًا المواقف المثالية لكنها تُلبِس الحتمية ثوبًا آخر وهو وجود طبائع للأشياء وقيم عليا هي الحاكمة على قيم الإنسان.
أمَّا المواقف البراجماتية فقد حصرت القيم في دائرة ضيقة باعتبارها فقط وسيلة للعمل وجلب المنفعة، ولا يخفى كون القيم أوسع من ذلك.
أمَّا المواقف الوجودية فقد أرخت العنان للحرية الإنسانية دون وضع أي قيود، وهي ما يجعل تصرف الإنسان دومًا يضيف قيمة ما لكنه أيضًا في الوقت نفسه ينزع عن أشياء أخرى قيمتها.
وبشكل عام فإن وجه القصور في معظم المواقف التي ذكرناها هو الوقوف عند مستوى معيَّن من فاعلية الإنسان، فالمواقف الطبيعية تقف عند الحد الأدنى وهو الاحتياجات المادية للإنسان، والمواقف المثالية تقف عند الحد الأعلى وهو الاحتياجات الروحية، والمواقف البراجماتية والوجودية لا ترى أي فرق بين أيٍّ من هذه المستويات.
وبالتالي لا يمكن اعتبار أحد هذه المستويات مصدرًا وحيدًا للقيم، بل كل هذه الآراء مجتمعة تدخل في بناء القيم مع تفاوت حظ كلٍّ منهم.
أما في كون القيم وسيلة إلى غاية أم غاية تُطلب لذاتها، تصوَّر معي الغايات في تسلسل، غاية أدنى توصل إلى غايةٍ أعلى، كلما بعدت القيمة عن باعثها الأول كانت أقرب بأن تصبح غاية تطلب لذاتها، والعكس صحيح.
ولعلَّ هذا يفسِّر لك وجود قيم لا يختلف حولها أحد، مثل الخير والحق والجمال، فهي بمثابة قمم ونهايات لتسلسل الغايات.
أما في كون القيم ذاتية أم موضوعية، فذاتيتها تتمثَّل في صدورها عن الأفراد، وموضوعيتها تتمثَّل في أثرها في الإنسانية والمجتمع.
الفكرة من كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر
في ظلِّ هذا الكون الفسيح يتقاسم الإنسان إحساسًا بضآلته داخل هذا الكون، ويشعر بكونه ملقًى في الهواء لا يجد ما يتمسَّك به، ومع ذلك يراوده إدراك بأن له دورًا في هذا الكون ليقوم به، فلا يملك هذا الإنسان إلا أن يتمسَّك بشعاع النور، وهو القيَم لعلَّه يجد ما يحيا من أجله في هذا الكون.
فماذا تعني هذه القيم؟ وماذا كانت آراء من قاموا بتفسير طبيعة القيم والمسائل التي تتعلَّق بها قديمًا وحديثًا؟ وهل القيم من صنع البشر أم أن وجودها يأتي من خارج هذا العالم؟ وهل القيم مجرد وسيلة إلى غاية أعظم منها أم أنها غاية تُطلَب لذاتها؟
ومن خلال آراء من قام بمحاولة الإجابة على هذه التساؤلات، سنجد من يغوص داخل النفس الإنسانية باعتبارها محلًّا للقيم، ومن يبحث في المجتمعات باعتبارها موضع أثر هذه القيم، ومن يبحث في الطبيعة باعتبار كون الإنسان جزءًا منها، ومن يبحث فيما وراء الطبيعة بحثًا عن معانٍ لا تدرك بالحواس، وإنما تدرك بالعقل والفكر.
يُحدِّثنا الكتاب حول طبيعة القيمة، والمواقف والآراء المختلفة التي قيلت فيها، ويجيب في النهاية عن بعض الأسئلة المهمة التي تتعلَّق بموضوع القيمة.
مؤلف كتاب نظرية القيم في الفكر المعاصر
صلاح قنصوة: مفكر وفيلسوف مصري، ولد في القاهرة عام 1936م، حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة القاهرة، وعمل رئيسًا لقسم الفلسفة في جامعة الزقازيق، كما حصل على دكتوراه في مناهج البحث من دولة النرويج.
أعطى اهتمامه الأكبر في مؤلفاته إلى علم الفلسفة، ويعدُّ الكتاب الذي في أيدينا من أهم الكتب التي ألَّفها، وله عدة مؤلفات أخرى مثل: “كتاب فلسفة العلم”، و”اغتراب العلم”، و”في فلسفة الفن”، و”العلم والدين وأسلمة العلم”، إلى غير ذلك من المؤلفات الفلسفية الأخرى.