نفي النفي
نفي النفي
التركيب أو نفي النفي، هو القانون الثالث للديالكتيك، ومقتضاه أن هناك أطروحة، يحدث لها قفزة، وتلك القفزة نفي للأطروحة، ثم يحدث نفي للقفزة (وهو نفي النفي) فتتحوَّل إلى أطروحة جديدة أكثر تعقيدًا وأغنى مما كانت عليه، فعند وضع “حبة شعير” في تربة مناسبة، فإنها تجتاز تحولًا نوعيًّا، إذ تكف حبة الشعير عن “الوجود”، منكرة وجودها، فتظهر النبتة مكانها، وتأخذ النبتة في النمو حتى تُنتج من جديد حبوب الشعير، فما إن تنضج هذه الحبوب حتى تموت الساق، فيحدث نفي ثانٍ، وبالتالي نحصل من خلال نفي النفي على حبة الشعير الأصلية من جديد مضاعفة عشرًا أو عشرين مرة، وهي الأطروحة الجديدة في شكل أغنى، وهكذا دواليك.
وينقض البوطي هذا القانون، بأن عمليات الزرع المتعاقبة لحبات الشعير وغيرها منذ قديم الزمان لم تحقق لها إلا رجوعًا دائريًّا إلى أصلها، فأين هو نفي النفي الذي هو عودة إلى الأطروحة في شكل معقَّد وأغنى من ذي قبل، إن أي شجرة تأخذ في النمو والقوة، ثم ما تلبث أن تتراجع نحو الضعف والشيخوخة، ثم تيبَّس بعد ذلك وتصبح حطبًا للحريق، وهذا يتعارض مع الديالكتيك بشكل حاد، ألا ترى أيها القارئ أن الأطروحة “حبة الشعير” جاثمة على حالها منذ فجر الحياة إلى اليوم لم تتطور أو تتغير؟ ثم إن العقل يقضي بعدم فائدة أن يسير راكب السفينة نحو الشرق إذا كانت السفينة من تحته تتجه نحو الغرب.
الفكرة من كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
تكمن خطورة المادية الجدلية -مثلما يرى البوطي- في انبهار ذوي الثقافة المحدودة بها وانجذابهم إليها بعيدًا عن مقتضى العقل ورقابته الموضوعية الواعية، فدُعاة الشيوعية يقدِّمونها للناس على أنها واقع الكون والحياة الإنسانية الذي لا سبيل إلا الخضوع لها، والعلاج من هذا الانبهار والانجذاب إلى تلك الفلسفة يكمن في الرجوع إلى الفكر والعقل، فمن خلال العقل والمنطق الموضوعي سنجد أن المادية الديالكتيكية تتعارض بشكلٍ فجٍّ مع حقائق ووقائع التاريخ، كما أنها تخالف في كثير منها مقتضى العقل، بالإضافة إلى تعارضها مع العلم.
مؤلف كتاب نقض أوهام المادية الجدلية (الديالكتيكية)
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: عالم سوري، وأحد علماء الإسلام الأفذاذ، له عشرات الكتب في علوم الشريعة، والآداب والتصوُّف والفلسفة والاجتماع، كما أن له كتبًا في نقد الإلحاد والفلسفات المادية، ومن مؤلفاته: “كبرى اليقينيات الكونية”، و”اللامذهبية أخطر بدعة تهدِّد الشريعة الإسلامية”، و”حرية الإنسان في ظلِّ عبوديته لله”.