نعم الصديق والرئيس
نعم الصديق والرئيس
إن مقدار سعة العاطفة الإنسانية وسلامة الذوق ومتانة الخلق وطبيعة الوفاء، جميعها أدوات لا تتم الصداقة إلا بها، فكان مُحمد ﷺ في هذه الخصال جميعها مثلًا عاليًا بين صفوة خلق الله، فعطفه شمل كل ضعيف، فما نهر خادمًا ولا ضرب أحدًا، فقد قال أنس (رضي الله عنه): “خدمتُ رسولَ اللهِ ﷺ عشرَ سنينَ، فما قال لي أُفٍّ قطُّ، وما قال لي لشيٍء صنعتُه: لِمَ صنعتَه، ولا لشيٍء تركتُه: لِمَ تركتَه، وكان رسولُ اللهِ من أحسنِ الناسِ خُلُقًا”.
كان ﷺ حتى مع الجمادات يعطف عليها عطفه على الأحياء، فكان يُسمَّي الأشياء بالأسماء التي لها معنى الألفة وتجعلها أشبه بالأحياء، فقد كان ﷺ صاحب عاطفة واسعة، صاحب ذوق سليم، يراعي شعور الناس، فكان إذا لقيه أحد من أصحابه قام معه، فلم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناوله إياها فلم ينزع يده منه حتى يكون الرجل هو الذي ينزع يده منه.
وكان يذكر فضل أصحابه ويشيد بذكرهم، فقال عن أبي بكر: “ما أحد أعظم عندي من أبي بكر، واساني بنفسه وماله، وأنكحني ابنته”، وكان يقول لعلي: “أنت أخي في الدنيا والآخرة”، وقال عن الأنصار جميعًا وهو في مرضه قبل موته ﷺ: “استوصوا بالأنصار خيرًا، فإن الناس يزيدون، وإن الأنصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم كانوا عيبتي التي أويت إليها، فأحسنوا إلى محسنهم، وتجاوزوا عن مسيئهم”.
وقد جعل للرئاسة معنى الصداقة المختارة، فمحمد الرئيس هو الصديق الأكبر لمرؤوسيه، فهو سلطان بالحب والرضا والاختيار، فكان أكثر رجل مشورة للرجال، وكان يُكلف نفسه بما كلَّف به أصغر أتباعه، ففي حفر خندق المدينة حفر معهم، كما كان يختار الأيسر حين يُخيَّر بين أمرين، فكان يقول: “إن الله لم يبعثني معنِّتًا ولا متعنِّتًا، ولكن بعثني معلِّمًا مُيسرًا”، وكان يوصي بالضعفاء، ويرحم الكبار والصغار، فكانت سنّة الرئاسة هي سنَّة الصداقة.
الفكرة من كتاب عبقرية مُحمد
“عالم يتطلع إلى نبي.. وأمة تتطلع إلى نبي، ومدينة تتطلع إلى نبي، وقبيلة وبيت وأبوان أصلح ما يكونون لإنجاب ذلك النبي”.. لطالما قدمت كتب السيرة حياة الرسول ﷺ، لكن قلَّما قدمت الكُتب شخصية محمد ﷺ، كأب وزوج وقائد وصديق، وهذا ما قدَّمه الكاتب من خلال كتابه الذي بين أيدينا، فتناول حقيقة شخصية مُحمد ﷺ بشكل يُقدِّم من خلاله براهين عظمة النبي الكريم في ميزان العلم وميزان الشعور وميزان الإنسانية.
مؤلف كتاب عبقرية مُحمد
عباس محمود العقاد: أديب ومفكر مصري، ولد في أسوان عام 1889م، حصل على شهادة الابتدائية لكنه كان مولعًا بالقراءة في مختلف المجالات، منحه الرئيس المصري جمال عبد الناصر جائزة الدولة التقديرية في الآداب غير أنه رفض تسلُّمها، كما رفض الدكتوراه الفخرية من جامعة القاهرة.
أضاف إلى المكتبة العربية أكثر من مائة كتاب في مختلف المجالات، فمن مؤلفاته سلسلة العبقريات، والإنسان في القرآن، والتفكير فريضة إسلامية، وغيرها الكثير. تُوفِّيَ العقاد في القاهرة عام 1964م.