نظرية الاقتران العادي
نظرية الاقتران العادي
بداية تعرف السببية على أنها العلاقة بين السبب والنتيجة، وهي علاقة واضحة إلا أن الجدل والاختلاف فيها كبير، وقد اختلف العلماء حول “ما نعتقده سببًا” و”ما نعتقده نتيجة”، فمنهم من تبنَّى نظرية الاقتران العادي، وهم الأشاعرة على وجه الخصوص، فلا شك عندهم أن كل شيء يظهر إلى الوجود لا بدَّ له من مُحدِث هو سبب وجوده، لكن فيما يخصُّ الكائنات فيما بينها وما نراه من الظواهر الطبيعية، فإنه يجب التفريق بين “ما يُعتقد سببًا” وبين “ما يُعتقد نتيجة”، فعندهم أن الاقتران والتعاقب بين ما يُعتقد سببًا وما يُعتقد نتيجة ليس حجَّة على أن الأول هو السبب المُحدِث للنتيجة.
وبناءً على ذلك يثبتون السببية “العقلية”، حيث لا بدَّ من سبب هو “الله” يُخرِج العالم من حال العدم إلى الوجود، إذ لا يمكن أن يتمخَّض شيء من ظلمات العدم إلى الوجود إلا بمُوجب “مسبِّب” دفعه إلى الوجود؛ بينما ينفون “السببية الطبيعية”، فلا تأثير لشيء في شيء آخر، حيث إن سبب الظواهر الطبيعية عندهم واحد، هو “إرادة الله”، فلا النار تحرق، ولا السيف يقطع، بل كل الأفعال والآثار يخلقها الله كما يخلق مصادرها التي تضاف إليها عادةً.
فالعلاقة بين ما ظاهره سبب وظاهره نتيجة هي مجرد اقتران وتعاقب، وقد أرادها الله تعالى أن تكون هكذا، وإذا شاء لم تكن كذلك، فالله قد جعل العلاقة بين الظواهر الطبيعية بعضها إثر بعض بنسقٍ معتاد حتى ليظن بعض الناس أن تلك الظواهر بعضها أسباب لبعض، وبعضها نتائج بعض، لكن في الحقيقة ما من سبب إلا الله.
الفكرة من كتاب السببية بين العقل والوجود في الفكر الإسلامي
أمام كل ظاهرة تحدث، يجد الإنسان في ذاته الباعث الذي يدفعه إلى التساؤل: كيف؟ ولماذا؟ وما السبب؟ يبغي منها تحليل تلك الظواهر باحثًا عن سبب وجودها، واستكشاف العِلل الكامنة وراءها، ومن هنا كانت “علاقة السببية” بالنسبة إلى الإنسان هي الحلقة الأولى من كل سلسلة تفكير أو تساؤل، وقد يبدو لنا أن السببية مسألة محسومة ومنتهية، لكن المتعمِّق في الفكر الفلسفي، يجد أن الفلاسفة والسادة المتكلمين أرباب عِلم الكلام، قد ذهبوا فيها مذاهب شتَّى، محاولين فهمها وتفسيرها.
مؤلف كتاب السببية بين العقل والوجود في الفكر الإسلامي
الدكتور أكرم خفاجي: مهندس عراقي، تحوَّل إلى دراسة العلوم الشرعية، وحصل على الدكتوراه في العقيدة والفلسفة الإسلامية، من مؤلفاته: “متشابه الصفات بين التأويل والتفويض”.