نظريات غير محسومة.. الاقتصاد الحديث الحائر
نظريات غير محسومة.. الاقتصاد الحديث الحائر
سيطر على المجتمع الاقتصادي بعد الكساد الكبير عام 1923م شعور بعدم الثقة في نظريات الاقتصاد الكلاسيكي، وبخاصةٍ رؤيتها لأسباب البطالة والركود، وبالنسبة للكلاسيكيين فمعدلات إنفاق المستهلكين تقريبًا مساوية لعوائد الإنتاج، وبالتماشي مع هذا القانون فمن الصعب حدوث ركود أو زيادة لمعدلات البطالة، هذا عالم مثالي أو تصوُّر أحمق، فماذا لو بدأت الأسر بادِّخار عوائدها وعدم استهلاكها بشراء المنتجات؟ هنا تبدأ النظرية الكلاسيكية في التخبُّط، ومن هنا بدأ جون كينز ثورته على النظرية القديمة، فأثبت كينز أن ادعاءات الكلاسيكيين غير منطقية، وبدأ بتعريف الكساد بأنه نقص في الطلب على المنتجات مقارنةً بالدخل، في نظرية كينز الأشرار هم المدخرون وهم الذين يتسبَّبون في نوبات الركود ورفع معدلات البطالة، وفي الطرف الآخر فإن المستهلكين الأكثر إنفاقًا، هم الأخيار الذين يدفعون عجلة النمو الاقتصادي إلى الأمام، هذا أيضًا يضع في يد الحكومة الأمريكية سلاحًا مُحكمًا للتعامل مع المستقبل المجهول، رأى كينز أن الحل سيكون دائمًا في زيادة معدلات الإنفاق أو تخفيضها، وتتحكَّم الحكومة في ذلك عن طريق زيادة الضرائب لتقليل الإنفاق ومنع التضخُّم وارتفاع الأسعار، أو خفض الضرائب لزيادة الإنفاق وتفادي فترات الركود، ومن الواضح أن كينز بهذا يصبح معارضًا لمبدأ عمل عدم التدخل، ويضع السلطة في يد الحكومة، لكن هل الإنفاق الحكومي مؤثر وفعال لهذه الدرجة؟ لم يعودنا الاقتصاديون على هذه البساطة.
تجادل الاقتصاديون طويلًا حول نظرية كينز، واتهمت المدرسة النقدية أتباع كينز بأنهم أهملوا تأثير النقود تمامًا، وغالوا في الاهتمام بالإنفاق الحكومي، ويرى أتباع هذه المدرسة أن المال هو الأكثر أهمية، حيث يفترضون أن معدل تداول النقود ثابت في المجتمع على المدى الطويل، ولذلك لن تكون لسياسة زيادة الإنفاق من قبل الحكومة أي تأثير، لأن المواطنين سيستمرون بالإنفاق بنفس المعدل تقريبًا، لكن بالنسبة للمعروض النقدي يختلف الأمر بالكامل، فإذا كانت معدلات إنفاق الناس ثابتة، كما افترضت المدرسة النقدية، وقامت الحكومة بزيادة كمية الأموال في الأسواق، ماذا سيحدث؟ سيزداد إنفاق الأفراد على الأصول والمنتجات، ويرتفع الناتج المحلي على الفور، وهناك الكثير من النقاش حول ثبات معدل تداول الأموال، وليس هناك انتصار حاسم لنظريات المدرسة النقدية، رغم أن هذه النقاشات أضافت الكثير من الشكوك حيال التدخُّل الحكومي الأمثل أثناء الدورات الاقتصادية، لكنها فسَّرت العديد من الأحداث بدقة أكثر، مثبتين بذلك عدم وجود الحلول الجذرية في عالم الاقتصاد الحديث، وعلى الأغلب فإن الحل الجيد يجب أن يحتوي آراء فريدمان وكينز معًا.
الفكرة من كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
شهدت العقود الماضية، منذ انهيار سور برلين والتفكُّك السلمي لدول الاتحاد السوفييتي، مفاجآت مدهشة متتابعة لعلماء الاقتصاد حينها، فطالما نظر الاقتصاديون التقليديون إلى الموارد الطبيعية باعتبارها المؤشر الرئيس للثروة والضامن الحقيقي للازدهار وزيادة ثروة الأمم، لكن التاريخ الحديث أثبت بالقطع فشل هذا المنظور، وتم التصديق على فشل النظرية الروسية في الاقتصاد، واقتنع الصينيون أخيرًا بهذا، وبدأت الصين نهضتها بدراسة مناهج الاقتصاد من هارفارد، وتوجَّهت بعض الأعين ناحية اليابان التي بدت كالقوة الاقتصادية الأكثر هيمنة في الثمانينيات، لكن هذا التفوُّق لم يُنتِج أي ابتكارات حقيقية تضمن لليابان السيطرة في المستقبل، فلماذا لم تستطِع روسيا أو اليابان وأمثالهم البقاء كرواد للاقتصاد العالمي؟ هذا وأكثر ما سيخبرنا به الاقتصاديون العظام.
مؤلف كتاب أفكار جديدة من اقتصاديين راحلين: مدخل للفكر الاقتصادي الحديث
تود جي باكولز: اقتصادي ومؤلف شهير، درس باكولز في جامعة هارفارد، وحصل على درجة علمية من جامعتي كامبريدج وهارفارد، وعمل مديرًا للسياسة الاقتصادية في البيت الأبيض، وكتب في العديد من الصحف الشهيرة مثل “نيويورك تايمز”، و”وول ستريت جورنال”، ومن مؤلفاته:
أفكار جديدة من مدراء راحلين.
ثمن الرخاء.
معلومات عن المترجمين:
كوثر محمود محمد: درست في كلية الألسن قسم اللغة الإنجليزية، وتخرجت عام 2008م لتعمل مترجمة في مؤسسة هنداوي، وترجمت العديد من الأعمال المتنوعة، مثل: مغامرات هاكلبيري فين لمارك توين، وفي قلب مصر لجون باردلي.
حسين التلاوي: مترجم حر، وعمل سابقًا في مؤسسة هنداوي كذلك.