نظرته عن نفسه
نظرته عن نفسه
إلى ذلك الحين لم يكن أعلن أحد من اليهود بشكل صريح الرغبة في تكوين وطن قومي لليهود في أرض فلسطين، ولكن كانت رواية “دافيد آلروي” المرحلة الأولى لتكوين الصورة الممتازة عن الشخصية الصهيونية المُستحقَّة لأي أرض، فبعدها انتشر عدد من الروايات التي تُلخِّص تفوُّق اليهود، وخلط العرق بالدين.
فكانت من أهم الروايات رواية “دانييل ديروندا” للكاتبة جورج إليوت، والتي يعتبرها غسَّان نقطة حاسمة في تاريخ يهود أوروبا، فقد جعلت الشخصية اليهودية شخصية “معصومة”، ومعنى معصوم هنا أي عُنصري، ولأهمية هذه الرواية ودورها التاريخي فقد أطلقت إسرائيل اسم الكاتبة -جورج إليوت- على أحد شوارع تل أبيب.
ولم تكن هذه الشخصية اليهودية الوحيدة المنتشرة في الأدب الصهيوني في أوروبا، بل انتشرت شخصية “اليهودي التائه”، وهذه الشخصية كما عرَّفها غسَّان، مواطن مسكين قنوع متديِّن أحيانًا، ولكنه متشرِّد يجلب النحس والدمار حينًا آخر، تنقَّلت هذه الشخصية من موقف المذنب إلى موقف المتذمِّر، ومن موقف المُخطئ إلى موقف المُعذَّب، وازدواج تلك الشخصية الغرض منه بيان أن اليهودي التائه هو ناتج موقف الكنيسة في أوروبا من اليهود، وما قام به اليهود في تلك المجتمعات.
كما أن فكرة اليهودي التائه شخصية مستمدَّة من الأسطورة الشعبية، ثم تم استخدامها مرة أخرى في الرواية الأدبية، وجاء ذلك لخلق التعصُّب اليهودي القائم على التمييز العرقي والديني والذي صبَّ في مصلحة الصهيونية السياسية فيما بعد، فمن شخص مسكين يطلب الغفران، إلى شخص ثوري مُتعصب.. ومن أشهر الأدبيات التي أظهرت هذه الشخصيَّة؛ مسرحية “الغريب” لبينسكي، والتي قدَّمتها فرقة “هابيما” في أوروبا الشرقية.
الفكرة من كتاب في الأدب الصهيوني
لم تظهر الصهيونية بين عشيةٍ وضحاها وسط العرب، فاحتلال الأرض هو المرحلة الأخيرة بعد احتلال كثير من الأشياء أولًا، مثل احتلال الأفكار والأذواق والآراء، حينها يتسع المجال لاحتلال الأرض!
إن الصهيونية قد لعبت دورها في “الأدب” قبل “السياسة”، فبالأدب تستطيع تغيير الأفكار وتزييف الحقائق حتى تقوم سياسيًّا على زيف وباطل دون أن يقف أمامك الكثير، فما كان مؤتمر بال سنة 1897م إلا ولادة الصهيونية السياسية التي مهَّدت لها الصهيونية الأدبية، ولأن كاتبنا مُميَّز بقلمه وعقله، فقد قام بتتبُّع الأدب الصهيوني الذي كُتِب لخدمة حركة الاستعمار سواء من يهود أو متعاطفين معهم لفترات طويلة مُبيِّنًا كيف لعب على الحقائق وزوَّرها ليُخرج أجيالًا مُضلَّلة ثقافيًّا، ترفض الحقيقة، وتُمهِّد للصهيونية أغراضها.
مؤلف كتاب في الأدب الصهيوني
غسَّان كنفاني: روائي وصحفي فلسطيني، وُلد في عكا الفلسطينية عام 1936م، أُجبِرت عائلته على الانزياح إلى لبنان ثم إلى سوريا بسبب الظروف السياسية التي مرت بها فلسطين، عاش في دمشق ثم انتقل إلى الكويت وعمل فيها مُدرِّسًا، وبعد ذلك انتقل إلى بيروت حتى عام 1972م، حيث استُشهِد في انفجار سيارة مفخَّخة على أيدي عملاء إسرائيليين.
كان غسان عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورئيس تحرير مجلة الهدف، ويعتبر أحد أشهر الكتَّاب والصحفيين العرب في القرن العشرين.
صدر له أكثر من 18 كتابًا، وعدد كبير من المقالات، إضافة إلى إنتاج غير مكتمل، ومن أبرز مؤلفاته:
“أرض البرتقال الحزين”، و”رجال في الشمس”، و”أم سعد”، و”عائد إلى حيفا”.