نظرات في الشعر
نظرات في الشعر
بدأ المعري قول الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة بديوانه “سِقْطِ الزَّنْدِ”، الذي ظل يدخل عليه تعديلات طيلة حياته، ونَقَدَ مَدْحَه لنفسِه فيه كقوله: “وقد سار ذِكري في البلاد فمَنْ لهم.. بإخفاءِ شمسٍ ضوؤها متكاملُ”، وأنكر أيضًا أغلب الأغراض التي تناولها الديوان مثل المدح والغزل والرثاء، واعتبر هذه الأغراض داخلة في باب الكذب، والشعر عنده معظم جيِّدِه كذب!
لم ينقطع المعري عن الشعر أبدًا، حتى وإن كان الشعر في رأيه بابًا للكذب الذي يكرهه، فالشعر بالنسبة إليه أفق للتفكير لا يمكنه إبعاده أو الاستغناء عنه، يستشهد به في كتاباته ويعلِّق عليه، ويعدِّل في ديوانه الأول، ويشرح دواوين كبار الشعراء، أبي تمام والبحتري والمتنبي، ومستغلًّا الهامش الضئيل من جيد الشعر الصادق، وإن ضعف هذا الشعر لتوخِّيه الصدق، في تأليف ديوانه الأشهر “لزوم ما لا يلزم”، الذي ضم كثيرًا من آرائه الفكرية والعقدية التي حيَّرت الناس في مذهبه.
اقتصر المعري في “لزوم ما لا يلزم” على الوعظ وذم الدنيا، وابتعد فيه عن الهجاء، وقال عن نفسه “لم أهجُ أحدًا قط”، ولكنه هجا فيه الناس على العموم! لم يحذُ فيه حذو الشعر في الوقوف على الأطلال ووصف الرحلة وغير ذلك، مضيِّقًا على نفسه واسعًا جرت عادة الشعراء عليه، غير أن الكاتب يرى أن الديوان ليس بالبساطة التي حاول المعري إقناعنا بها، فما ورد فيها من هجاء جماعي لا يخلو من الكذب.
كما أن المعري يخفي من القول بقدر ما يبدي، فالكلام أحيانًا يكون خطيرًا يؤدي إلى الحتف “واصمت فإن كلام المرء يهلكه.. وإن نطقت فإفصاحٌ وإيجاز”، لكن ما بداخله يستنفر إلى الخروج، فلا يجد المعري سبيلًا للتعبير عما بداخله بغير الهمس، الهمس مرتبة وسيطة بين السكوت الذي لا يقوى عليه والإفصاح الذي يخشى منه! ولأجل هذه الطريقة الملتوية في التعبير حُمِل كلام المعري على أكثر من وجه، وأثارت ظنون معاصريه حول معتقداته، وَخَيَّم كلامه في هذا الديوان بظلاله على كل مؤلفاته.
الفكرة من كتاب أبو العلاء المعري أو متاهات القول
تتبَّع المؤلف في هذا الكتاب بعض المحطات في رحلة الأديب الألمعي والشاعر المشهور، الملقب بشاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء، أبي العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي المعرِّي.
إن المعرِّي أشهر من أن يُعرَّف، فهو من سار بذكره الركبان، وطبقت شهرته الآفاق وكثرت أخباره وتفاصيل أحواله، من قال عن نفسه: “وإنــي وإن كــنــتُ الأخــيـرَ زمـانُهُ.. لآتٍ بــمــا لم تَــسْــتَـطِـعْهُ الأوائل”، لكن هذه الأخبار بحاجة إلى من يمحِّصها بعين الناقد الثاقب والأديب الواعي، وهذا الكتاب يحاول مد يد العون لكل من حاول السير في متاهات أبي العلاء المعري.
مؤلف كتاب أبو العلاء المعري أو متاهات القول
عبد الفتاح كيليطو، أديب وكاتب مغربي، ولد في عام 1945م، يعمل أستاذًا بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، ويعد من أشهر نقاد الأدب واللغة المغاربة في العصر الحديث، وهو يكتب بالعربية والفرنسية، من أشهر مؤلفاته: “جدل اللغات”، و”لن تتكلم لغتي”، و”من شرفة ابن رشد”، وغيرها، وتُرجِمت أعماله إلى عدة لغات.