نظام ما بعد الحرب
نظام ما بعد الحرب
شكَّلت نهاية الحرب الباردة حدثًا فاصلًا في تاريخ البشرية، فبانهيار الاتحاد السوفييتي جلست أمريكا على عرش العالم وصارت القطب الأوحد دون منازع، ورغم أن العالم صار أقرب إلى الاستقرار من أي وقت مضى؛ فإن البعض توقَّع انقضاء تلك العطلة قريبًا، وسوف ينفجر العداء بين الأصدقاء القدامى بعد أن اختفى العدو المشترك، فضلًا عن تبجُّح الليبرالية الجديدة وتنامي موجة الصراع بين الحضارات وشيوع حالة من الاستقطاب الحاد بين دول العالم بعضهم وبعض.
فاليوم وبعد نحو ثلاثة عقود من نهاية الحرب الباردة، كان هناك العديد من الأحداث التي أدت إلى تشظِّي الجدل الثائر حول قابلية النظام الدولي المعاصر للحياة مثل تفكُّك يوغوسلافيا، وحربي الخليج الأولى والثانية، وأزمة النمور الآسيوية، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وغزو أفغانستان والعراق، والأزمة المالية العالمية 2008، وأحداث الثورات العربية، وجائحة كورونا، فكل تلك الأحداث كانت تأكيدًا للأزمة التي يحياها النظام الدولي اليوم، وصار السؤال المقلق حول مدى جدية تلك الانتكاسات في انهيار النظام، أم أنها لا تعدو أن تكون مجرد ارتباك مؤقت في ظل تقدم ليبرالي لا يتوقف؟
ومهما كانت الإجابة، نرى أن الواقع المعاصر أبان بوضوح أن عملية الانتقال الديمقراطي في العديد من الدول الهشَّة بدلًا من أن تكون جزءًا من الحل أسهمت في تعميق المشكلة! حيث كان انفتاحًا مربكًا أكثر منه تحوُّلًا حقيقيًّا في المشهد السياسي، فالالتزام بالمبادئ الليبرالية كان سطحيًّا إلى حد كبير ويخلو من أي قيمة حقيقية يمكن الركون إليها، ونتيجة لذلك صار الوضع أقرب إلى حالة من اختلال التوازن، ومن ثم صارت الأوضاع أشد خطرًا وأكثر عرضة للانفجار، لا سيما مع تزايد نفوذ اللاعبين الجدد من اللوبيات وجماعات الضغط وأصحاب المصالح، لذا يمكن القول إننا مقبِلون على عالم تتبعثر فيه القوة بأكثر مما سبق.
الفكرة من كتاب إعادة النظر في النظام الدولي الجديد
في اللحظة التي بلغ فيها النظام الدولي درجة لم يعرفها قط من الاستقرار النسبي، يتأزَّم كلٌّ من البعدين السياسي والاقتصادي للنظام العالمي، ورغم أن هناك مجموعة واسعة من المؤسسات الدولية الكبرى على رأسه؛ فإنها على درجة من الضعف جعلها تلقَى فقط اعترافًا شكليًّا في معظم الدول ولا تصلح أساسًا متينًا لنظام دولي مستقر، لذا كانت أهمية هذا الكتاب ليطلعنا على الماضي والواقع والمستقبل في آن واحد.
مؤلف كتاب إعادة النظر في النظام الدولي الجديد
يورغ سورنسن Georg Sorensen: أستاذ العلوم السياسية ونظم الحكم في جامعة آرهوس، حصل على الماجستير في العلوم السياسية 1975، وعلى درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية 1983، وكان عضو مجلس البحوث الأوروبي 2012، وعضو مجلس إدارة معهد أبحاث السلام في أوسلو 2013.
له العديد من المؤلفات منها: “الدول الهشة: العنف وفشل التدخل”، و”نظام عالمي ليبرالي في أزمة.. الاختيار بين الفرض وضبط النفس”، و”تحول الدولة.. ما وراء أسطورة التراجع”.