نشأة اللغة والمراحل التي مرَّت بها
نشأة اللغة والمراحل التي مرَّت بها
إن قضية اللغة من القضايا شديدة التعقيد والتركيب، فلا عجب أن ينشأ في تفسير نشأتها الكثير من الفرضيات التي تحاول الإجابة على مثل ذلك التساؤل، فهناك من يدَّعي أن نشأة اللغة هي إلهام إلهي، فالله (عز وجل) هو من وضع في قلب آدم (عليه السلام) أسماء ومعاني الأشياء، وعلَّمه كيفية التعبير عنها.
وهناك فريق آخر يدَّعي أن اللغة نشأت بالوضع والارتجال، أي أن البشر بدؤوا في إعطاء مسميات للأشياء حسب ما يتفقون عليه فيما بينهم، فعندما وجدوا حيوانًا قوي البدن، لديه أنياب ويرأس قطيع الحيوانات اتفقوا على تسميته بالأسد، وعندما وجدوا جذعًا له جذور راسخةٌ في باطن الأرض ويحتوي بعض الأوراق اتفقوا على تسميته بالشجرة، وهكذا في جميع الأشياء الأخرى.
ويرى فريق آخر أن اللغة نشأت من غريزة وضعت في تركيب الإنسان، وهي غريزة الكلام والتعبير، فقام هذا الإنسان بوضع معانٍ أوَّلية للأشياء كي يعرفها بها، ثم لم تلبث هذه المعاني أن تطوَّرت حتى غلب عليها طابع الثبات والاستقرار، فاللغة شيء اعتباري من وضع الإنسان يخضع للتطوُّر والترقِّي.
ويرى الكاتب أن هذه النظرية هي الأقرب إلى الصواب، فهي مشاهدة لدى الطفل، حيث تبدأ نشأة اللغة لدى الطفل في صورة كلمات مبهمة ثم تتطوَّر وترتقي حتى يستطيع الحديث بلغةٍ متكاملة الأركان كما سيأتي.
ولأن التطوُّر والتغيُّر جزء من دراسة اللغة وتطوُّرها، فإن العلماء سعوا إلى دراسة المراحل الأولى للغة الإنسانية من عدة جوانب، فمن الناحية الصوتية ذهب بعضهم إلى أن أولى مراحل اللغة تبدأ بالصراخ، ثم ترتقي إلى حروف المد ثم إلى الحديث بالمقاطع، ومن ناحية مفردات اللغة والدلالة ذهب بعضهم إلى أن المعاني الجزئية هي ما ينشأ في البداية ثم تستطيع اللغة بعد ذلك التعبير عن المعاني الكلية.
الفكرة من كتاب نشأة اللغة عند الإنسان والطفل
إن اللغة هي أهم ما يميِّز الإنسان عن غيره من الكائنات، بها يتعلَّم وبها ينشأ التواصل بينه وبين غيره من البشر.
واللغة لا تقتصر على كونها مجرد أصوات أو كلمات يتحدث بها الإنسان، بل تحمل في داخلها دلالات ومعاني، وهذه المعاني هي الخاصية التي تميِّزها عن غيرها من الأصوات.
فكيف نشأت هذه اللغة؟ وما المراحل التي مرَّت بها؟ وهل يرجع أصل اللغات إلى لغة واحدة، أم أن هناك عدة فصائل ترجع إليها جميع اللغات؟
ولمَّا كان الطفل هو الصورة الأولية التي ينشأ عليها الإنسان، كانت دراسة ما يمر به من مراحل ليستطيع التحدث بلغة مكتملة الأركان، مثالًا عمليًّا وتطبيقيًّا حول كيفية نشأة اللغة لدى الإنسان والمراحل التي مرَّت بها هذه اللغة.
في الجزء الأول من كتابنا يتحدث الكاتب عن نشأة اللغة عند الإنسان، وفي الجزء الثاني يتحدَّث فيه عن نشأة اللغة لدى الطفل.
مؤلف كتاب نشأة اللغة عند الإنسان والطفل
علي عبد الواحد وافي: من روَّاد علم الاجتماع في العالم العربي، تخرَّج في كلية دار العلوم، ثم حصل على الدكتوراه في الفلسفة وعلم الاجتماع في باريس.
قام بالتدريس في العديد من الجامعات وتقلَّد العديد من المناصب، بذل جهدًا كبيرًا في تحقيق مقدمة ابن خلدون، وأثنى على جودة تحقيقه الكثير.
من مؤلفاته: “علم اللغة”، و”فقه اللغة”، و”لسان العرب: اللغة والمجتمع”.