نشأة القانوني والسياسي والأخلاقي في الدولة الحديثة والحكم الإسلامي
نشأة القانوني والسياسي والأخلاقي في الدولة الحديثة والحكم الإسلامي
تواجه الدولة الحديثة مشكلتين عويصتين تتعلقان بنشأة القانوني والسياسي، وهاتان المشكلتان لا يمكن أن تتوافرا في أي حكم يمكن أن نطلق عليه إسلاميًّا، تتمثل المشكلة الأولى في هوس الغرب الحديث باكتساب معرفة السيطرة بهدف التحكم والسيطرة، ومن ثمَّ فهو يدفع العلم والتعلم والمنظمات باتجاه استغلال الطبيعة والسيطرة على العالم المادي بكل ما فيه، ويمكن ملاحظة ذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، فنظام المعرفة فيها موجه إلى خدمة القوة والضبط والسيطرة وتغيير العالم عمليًّا، بينما المعرفة الثقافية والدينية تُدفَع إلى الوراء.
وتتمثل المشكلة الثانية في العلاقة التي تربط بين القوة والسيطرة من جهة، والأخلاق من جهة أخرى، فالغرب الحديث يرى أن الطبيعة متوحشة وبليدة، ومن ثمَّ فهو يتعامل معها باعتبارها شيئًا أو موضوعًا دون أي قيد أو اعتبارات أخلاقية، وقد أدى ذلك إلى ظهور العلم الموضوعي في جميع المجالات الأكاديمية كالقانون والاقتصاد والتاريخ والسياسة، إذ يدرس العالِم المادة بصورة مجردة من العاطفة وبلا تبعات أخلاقية أو قيمية، وهو ما دفع القانونيين من أمثال القاضي هولمز إلى قول إن القانون يظل قانونًا بغض النظر عن عدم أخلاقيته، ومن ثمَّ مُيِّزَ بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون في القانون الحديث، وهو ما لا يمكن أن يتحقق في ظل أي شكل من أشكال الحكم الإسلامي.
فبالنظر إلى التراث الإسلامي قبل الحديث وخطاباته، حتى القرآن ذاته، لا نجد أي تمييز بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون، فالقانوني والأخلاقي مثَّلا الشيء ذاته، والشيء نفسه ينطبق على اللغة العربية، فلا يوجد مرادف دقيق لكلمة أخلاق، ولم تكن تحمل أي معنًى من المعاني التي تقرها الفلسفة الأخلاقية والقانونية اليوم، فالقرآن كان وما زال يمد المسلمين بنظرة إلى الكون قائمة بالكامل على قوانين طبيعية أخلاقية لا مادية، وهي نظرة أخلاقية كونية من الطراز الأول نجحت في وضع مقياس خارق لتقويم كل سلوك إنساني بالرجوع الحصري إلى مبدأ أخلاقي قائم على أساس إلهي.
الفكرة من كتاب الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
يرى حلَّاق أن وجود دولة إسلامية أمر بعيد المنال ومستحيل التحقق، لأن أي مفهوم للدولة الحديثة يتعارض بشكل صارخ مع الحكم الإسلامي ما قبل التحديث، إذ إن الحكم الإسلامي يرتكز على الأخلاق ويخضع لسيادة الله، بينما الدولة الحديثة تجعل الأخلاق هامشية وتخضع لإرادة وسيادة من صنعها، لذا فإن الكفاح السياسي والقانوني والثقافي لمسلمي اليوم يرجع إلى غياب الانسجام بين تطلعاتهم الأخلاقية والثقافية من جهة، والواقع الأخلاقي المتردي للعالم الحديث من جهة أخرى، وهو واقع لا مفر للمسلمين من العيش فيه!
مؤلف كتاب الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي
وائل حلَّاق: كندي من أصول فلسطينية، ولد لأسرة مسيحية في مدينة الناصرة، وهو باحث ومتخصص في الدراسات الفقهية الإسلامية، درَّس لسنوات في جامعة “ماكجيل” في كندا، ثم انتقل إلى جامعة “كولومبيا” في نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية، وعمل فيها أستاذًا للإنسانيات والدراسات الإسلامية في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا، من مؤلفاته:
تاريخ النظريات الفقهية في الإسلام: مقدمة في أصول الفقه السني.
الشريعة: النظرية والتطبيق والتحولات.
معلومات عن المترجم:
عمرو عثمان: باحث وأكاديمي في قسم العلوم الإنسانية بجامعة قطر، درس العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وحصل على درجة الماجستير من جامعة سانت أندروز في اسكتلندا، والدكتوراه من قسم دراسة الشرق الأدنى بجامعة برنستون الأمريكية.