نسبية القوة
نسبية القوة
لمَّا عُلِم أن إدراك رمضان يتمثَّل فيما بعده، في المداومة على ما تم اكتسابه، في الإيمان والثبات، وجب التساؤل: لِمَ يُستصعب على المرء بلوغ هذه الدرجة؟ لمَ كانت وستزال حكرًا على أُناس دون غيرهم؟
الإجابة تكمن في نسبية القوة بين الفرد وشيطانه، فلو أن الإنسان مثلًا هو القوي، وجب أن يكون الشيطان الطرف الضعيف، والعكس صحيح، تلك معادلة ليست مستحدثة، إنما هي صراع انطلق منذ بدء الخليقة وحتى قيام الساعة، إنه قسَم إبليس على غواية بني آدم أجمعين، فلا يكون النصر إلا لمن تجاوزت إرادته الصادقة هوى نفسه، فصار إنسانًا قويًّا صامدًا، يخرج من رمضان غالبًا شيطانه، ومهذِّبًا روحه، مغترفًا خيرًا لا ينضب، بل يتجدَّد ويزداد عامًا بعد عام.
أما الفئة الأخرى فهي فئة ضعيفة التكوين، لا تعرف من رمضان إلا مشقَّة الصوم،كمناسبة تتكرَّر بلا سبب، يتركون فرصًا عظيمة للعتق من النار، والتطهُّر من الذنوب، ويلهثون وراء التبضُّع وتخفيضات المحلات، ولا يشغل بالهم إلا لحظة الإفطار على الموائد الممتدَّة، هؤلاء تحديدًا ضعاف النفوس، شيطانهم أقوى، صوَّر لهم رمضان فرصة انتهازية لأمور دنيوية، فأغواهم بها وأضلَّهم عن الرشد.
وهناك فئة تتجلَّى فيها النسبية، جماعة يؤدُّون لرمضان حق الأداء، متغلِّبين على شيطانهم، لكن ما يلبث الشهر على الانتهاء، حتى ينتهوا تباعًا من العبادات والنوافل، ويكأنَّ موسم الطاعات قد ولَّى، وبانقضائه ينقطع حبل الود مع الله (جل وعلا)، ثم يعودون تدريجيًّا ليستغرقوا في معاصيهم، هنا يعود الشيطان أقوى، والإنسان أهون وأضعف.
الفكرة من كتاب الذين لم يولدوا بعد
لما اعتاد الناس المرور على رمضان كغيره من الشهور، بل ولما صار موسمًا للتخفيضات في الأسواق، ومباراة تنافسية بين البرامج المتلفزة والمسلسلات، وحين انشغلت البطون بموائد الطعام والشراب، صار حتمًا على هذا الكتاب أن يرينا رمضان الذي يجب، ويذكِّرنا بأحكامه، ويستوضح معانيه الغائبة عن وجدان الفرد المسلم الذي فاته كل رمضان سابق، علَّه يستقبل رمضان القادم.
مؤلف كتاب الذين لم يولدوا بعد
أحمد خيري العمري: كاتب وطبيب أسنان عراقي، ولد عام 1970 في بغداد، واشتهر بكتاباته في مجال النهضة الإسلامية، تم تصنيفه -وفقًا لأحد مراكز الدراسات السويسرية- ضمن قائمة تحوي 100 من المؤثرين في صناعة الرأي عربيًّا، وذلك في عام 2017.
له من الإنتاج الثقافي الكثير منذ بدأ الكتابة والنشر، يتراوح بين ثلاثة عشر كتابًا وثلاث روايات وثلاثة برامج متلفزة، حيث احتلَّت الكتب النصيب الأكبر والانتشار الأوسع، ومنها:
البوصلة القرآنية.
عالم جديد ممكن.
المهمة غير المستحيلة.
الفردوس المستعار والفردوس المستعاد.