نحو أمة موحَّدة
نحو أمة موحَّدة
أسهمت العولمة في تفتيت الجذور القومية للدولة الأوروبية، بيدَ أن الاتحاد الأوروبي يمثل أفضل مقاوم لعولمتها، وحماية لهُويتها، لكن تعدُّد اللغات والعادات أعاق تسوية الاختلافات العرقية وبناء “أمة واحدة”.
وضع العولمة اليوم يجعل من فكرة بناء أمة واحدة غير واقعية؛ بسبب انفصال السلطة عن السياسة؛ فالسلطة متجسِّدة في التوزيع العالمي لرأس المال المتجاوز لحدود المكان، والسياسة تمارس عملها في حدود محلية، وليس لها وظيفة أكثر من حفظ التوازن الداخلي.
اتَّسم بناء الأمم بطابعين: قومي وليبرالي، وكانت القومية استبدادية شديدة؛ إذا لم يَقنع الناسُ بدينها الجديد بالفكر، أجبرتها على اعتناقه بالعنف، وكل معارض لها هو -لا شك- متمرد وإرهابي، واستخدام اللهجة المحلية مُحرَّم، أما الليبرالية فذات جلد ناعم ووجه باسم ترفض العنف والإكراه، ورغم ذلك ظلت الجماعات العرقية يُنظر إليها كبؤر تمرُّد يجب قمعها، أو بمعنى آخر ممارسة استراتيجية “حرمان أعداء الحرية من الحرية”، ليس ثمة فرق جوهري بين القومية والليبرالية؛ فكلتاهما تسعيان لغايات متشابهة لكن بآليات مختلفة، وبقيت الأقليات العرقية في ظلِّهما بين خيارين أحلاهما مر: إما الاندماج وإنكار الهُوية الثقافية، وإما الفناء بالتخلص منهم.. ولم يكن القرار بيدها، بل مصيرها تحتكره الأغلبية السائدة! على أن الجماعة ليست وحدها من واجهت تلك المعضلة، بل الأفراد أنفسهم وقعت عليهم مسؤولية الاندماج، فمن يتضامن من الأفراد مع الأقلية يُدان بعدم الولاء، ومن يقلب لهم رأس المِجنِّ يُتهم بالوضاعة.
إنَّ الاعتراف بالحق في الاختلاف لا يُلزِم بقبول كل الخلافات والاعتراف بصحتها، وإنما بوضع كل الآراء على مائدة النقاش والتحليل، فليس هو فرض شكل واحد من أشكال الوجود الإنساني لا يُقبل غيره، ولا تسليم بمبدأ “التعددية الثقافية” الذي يجعل من الاختلاف غاية في ذاته.
الفكرة من كتاب الثقافة السائلة
الثقافة هي مجموعة العقائد والقيم والعادات والفنون والمعارف التي يكوِّن بها المرء تصوِّره عن الكون والحياة والإنسان، وكانت الثقافة في الأزمنة السالفة ذات طبيعة صُلبة تؤدِّي وظيفة ثابتة محدَّدة المعالم والأهداف؛ فكان النظام أصل والخلل استثناء، ولكن في زمان الحداثة السائلة -كما يسميها المؤلف- ذاب كل شيء وتميَّعت كل مظاهر الثقافة لتصير خادمة للسوق الرأسمالي، وشكلًا من أشكال الأثرة التي لا تهتم للمستقبل ولا تعبأ بالتراث، وإنما تؤصِّل للاستمتاع باللذة الحاضرة وزيادتها.
مؤلف كتاب الثقافة السائلة
زيجمونت باومان (Zygmunt bauman): عالم اجتماع بولندي وأستاذ متقاعد في جامعة ليدز منذ ١٩٩٠، وقد ولد باومان عام ١٩٢٥، واستقر في إنجلترا بعد طرده من بولندا عام ١٩٧١ بتهمة معاداة السامية بتدبير من الحكومة الشيوعية، وعرف بتحليلاته العميقة عن العلاقة بين الحداثة والهولوكوست، واشتهر بسلسلة السيولة التي حلَّلت أثر ثقافة الاستهلاك والرأسمالية في تحولات الحداثة؛ وتُوفي في يناير ٢٠١٧.
من مؤلفاته:
– الحداثة السائلة.
– الحداثة والهولوكوست.