نحن والحياة
نحن والحياة
إن علاقة الإنسان بهذه الحياة هي علاقة الابتلاء، والابتلاء كما ذكره الكاتب هو الاختبار والامتحان في مدلول العبادة سواء في المظهر الديني أو الاجتماعي أو الكوني، وقد عرَّفنا القرآن الكريم ميادين الاختبار لنكون على يقظة، فهناك ميدان الممتلكات والمال، وميدان النفوس، فقال تعالى: ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾، كما أن الابتلاء له شكلان: إما بالخير أو بالشر: ﴿وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً﴾، والإنسان أولًا مُبتلًى في نفسه وطبيعة خلقته، فقد ركَّب الله فيه الخير والشر، لذا كان لا بد أن يجتهد ليتزكَّى فيأخذ الخير ويفعله، ويعرف الشر ويصرفه.
ففي كل مواقف الابتلاء لا بد أن ينظر الإنسان ويتفكَّر ماذا يريد مني الله (عزَّ وجل) في هذا البلاء؟ فإن خيرًا فيشكر، وإن شرًّا فيصبر، وقد ضرب لنا الله (عز وجل) ممن ابتلوا بابتلاءات مختلفة، فسليمان (عليه السلام) ابتلُيَ بالسلطة والنفوذ فشكر، أما قارون فقد ابتلاه الله بالمال لكنه لم يشكر وتكبَّر فخسف الله به الأرض.
ومن ضمن صور الابتلاء الدرجيَّة والاختلاف، ومعنى ذلك أن البشر لم يخلقوا سواسية في الاستعدادات والقدرات، كما أن الله جعل الناس درجات، وفي كل مستوى له ابتلاؤه الخاص ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ﴾.
كذلك فإن مفهوم الابتلاء مرتبط بمفهوم الفتنة، والفتنة هي اختبار به يذهب العقل أو المال أو يضل المرء عن الحق، والسبب في الفتنة أن الإنسان يكون جاهلًا لطبيعة العلاقة مع الحياة، ولا يكون مدركًا لمعنى الابتلاء ومظاهره فيضطرب سلوكه بسبب فهمه الخاطئ، لذا فإن من أكبر الأدوار للتربية الإسلامية تكوين الفهم الصحيح عن الابتلاء وعن الحياة، فيُعمِّق هذا الفهم في القلب فيصبح تصرُّفًا وسلوكًا، على عكس كل من شكَّل تصوُّره وفقًا للفلسفة المعاصرة فصارت علاقته مع هذه الحياة هي المُتعة والاستهلاك المادي.
الفكرة من كتاب فلسفة التربية الإسلامية -دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربويَّة المعاصرة-
لكل فِعلٍ ظاهر نقوم بِه، هناك تصوُّر باطن قد شكَّل هذا الفعل وجعل نفوسنا تتقبَّله، هذا التصوُّر يعتمد بشكل كبير على عدد من المركزيات في حياة الإنسان، وعلى بعض القيم والأهداف التي لها مكانة كبيرة في نفسه، والتي تحدِّد له الأدوات التي يسعى بها، ووفقًا لتلك القيم والأهداف يتشكَّل الإنسان، وهذا يمكننا تسميته بـ”فلسفة التربية”، فلكلِّ فلسفة غايات معينة تُشكِّل النموذج الإنساني الذي يتطابق تصوُّره وفقًا لتلك الفلسفة، فحينما نتأمَّل حال الإنسان المُعاصر ونقف جيِّدًا مع تصرفاته ودوافعه سنُلاحظ أن هناك فلسفة ما تشكَّل بها تصوُّره فنتج عنها تصرفه، فما هي إذًا فلسفة التربية لدى الإنسان المُعاصر؟ وهل هناك نموذج فلسفي تربوي كامل يرتقي بالإنسان؟ وماذا نعني بفلسفة التربية الإسلامية؟
في كتابنا يفتح لنا الكاتب آفاقًا جديدة لمعرفة إجابات تلك الأسئلة، ونُدرك جيدًا إلى أيِّ التصوُّرات ننتمي، وكيف ننظر إلى تلك الحياة.
مؤلف كتاب فلسفة التربية الإسلامية -دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربويَّة المعاصرة-
الدكتور ماجد عرسان الكيلاني: مُفكِّر ومُؤرِّخ وتربوي أُردني، وُلِد عام 1932م، وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من الجامعة الأمريكية في بيروت، وشهادة الماجستير في التربية من الجامعة الأردنية، وشهادة الدكتوراه في التربية من جامعة بتسبرغ في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
حصل الدكتور ماجد الكيلاني على عديدٍ من الجوائز والتكريمات من دول العالم المُختلفة، منها: جائزة الفارابي العالمية للعلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية، وتوفِّي في عام 2015 م، بعد أن قدَّم الأفكار الكبيرة والأعمال الضخمة التي تُصحِّح للأمة الإسلامية مسارها.
ومن مؤلفاته:
“هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس”، و”أهداف التربية الإسلامية”، و”الدور اليهودي في التربية المعاصرة”.