نبوغ المسلمين في علم الجراحة
نبوغ المسلمين في علم الجراحة
تحولت الجراحات من صناعة يد يمارسها الحجامون والحلاقون إلى مهنة مختصة بالأطباء، وألزموا الجراح الإلمام بالتشريح، ونبهوا أن عمليات القطع والشق تأتي بعد فشل محاولات العلاج بالأدوية، ومن إنجازات المسلمين أنهم توصلوا إلى إيقاف النزيف بربط الشرايين والأوردة، وقالوا بأثر العامل الوراثي فيه، واستطاعوا تخلية المثانة من الحصى لدى النساء، وعرفوا جراحات المجاري البولية، وكتبوا في جراحة الأسنان، وكان الزهراوي أول من تمكن من شقِّ القصبة الهوائية.
وعرف الجراحون كذلك الولادة القيصرية وعمليات الأنف والأذن واستخدموا خيوطًا من أمعاء القطط في رتق الفتوق، واستحدثوا أدوات جديدة مثل: الدَّست بأشكاله والصنانير لخلع الأسنان والكلاليب، لإزالة الأجسام الغريبة من الحلق والقساطر البولية، والحقنة الشرجية، والأنابيب التي يتم تمريرها في الحلق لإزالة الزوائد اللحمية، والبريد -وهي أداة كالمسبار لاستئصال الأورام- واستخدمت القابلات اللولب في الولادات المتعسرة.
واهتموا كذلك بالتشريح وترجموا فيه كتب جالينوس وأبقراط، وكان على الجراح اجتياز اختبار في التشريح يُسمى اختبار المحنة، وقد برع ابن طفيل في تشريح ظبية، وأثبت أن الدم في القلب لا يختلف عنه في سائر الأعضاء، وشرَّح ابن ماسويه القردة، ويُذكر أن بعضهم شرَّح أجسامًا بشرية سرًّا ووصف بدقة بعض الأعضاء كالقلب والعين والكبد، كما انتقد ابن النفيس آراء جالينوس وابن سينا في وظيفة وتركيب الرئتين وشكل الهيكل العظمي، واكتشف الدورة الدموية الصغرى، وخطَّأ ابن سينا الاعتقاد السالف بوجود فتحة بين جداري القلب، أيضًا عرف المسلمون البنج وسموه “المرقِّد” عن طريق استنشاق إسفنجة من عصارة الحشيش والأفيون والزؤان، واستخلصوا مسكنات الألم من نبات الخشخاش والقُنُب.
وأُطلق على أطباء العيون اسم “الكحالون”، الذين نبغوا في تشريح العين وتشخيص أمراضها، وتوصلوا إلى قدح الماء الأبيض والأزرق بست طرائق مختلفة، ومن كتبهم: “عشر مقالات في العين” لحنين بن إسحاق، و”تذكرة الكحالين” لعلي بن عيسى الذي يُعده المستشرقون أعظم كحالي العصور الوسطى، و”نور العيون وجامع الفنون” لصلاح الدين بن يوسف وهو كتاب محيط جامع، ولكن أفضل من تكلم في وظيفة العين ووصفها بدقة هو الحسن بن الهيثم.
الفكرة من كتاب قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية
بلغت الحضارة الإسلامية في عصورها الذهبية مبلغًا أذهل الأعداء قبل الخِلان، وضربت بسهم وافر في شتى المجالات الإنسانية في زمن قياسي، لم تحظَ به أي حضارة أخرى ولا حتى الحضارة الغربية المعاصرة التي طغت منجزاتها المادية على رصيدها الروحي والأخلاقي، وكان التقدم الهائل في العلوم الطبية أحد مظاهر ازدهارها البارزة، والذي كان انطلاقًا دينيًّا في الأساس وتطبيقًا جمعيًّا لما حث عليه الشرع من التداوي وانتقاء الأكفاء لذلك، رغم ما يتبادر إلى الذهن من تعلق الطب بالجسد وحفظ الحياة الدنيا، فقد كان مظهرًا لتحقيق مقاصد الشريعة من حفظ العقل والجسد والنسل والدِّين كذلك.
مؤلف كتاب قصة العلوم الطبية في الحضارة الإسلامية
راغب السرجاني: طبيب بشري وأستاذ جامعي وكاتب، وداعية إسلامي مهتم بالتاريخ والحضارة، ومؤسس موقع قصة الإسلام، وُلد في المحلة الكبرى بمحافظة الغربية عام 1964، وتخرج في كلية طب قصر العيني، ثم نال درجتي الماجستير والدكتوراه في جراحة المسالك البولية.
أنجز كاتبنا الكثير من المشاريع التاريخية والدعوية، وحاز جوائز كثيرة منها: جائزتا المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وأفضل كتاب مترجم إلى اللغة الإندونيسية.
من أبرز مؤلفاته:
ماذا قدم المسلمون للعالم.
فن التعامل النبوي مع غير المسلمين.
قصة الأندلس من البداية إلى السقوط.