مِن الشامان مرورًا بالطب النفسي لدى المسلمين وصولًا إلى الطب النفسي الحديث

مِن الشامان مرورًا بالطب النفسي لدى المسلمين وصولًا إلى الطب النفسي الحديث
قديمًا كان تشخيص المرضى وإسعافهم في القبيلة مهمة الرجل العارف (الشامان)، إذ كان دوره محصورًا في مداواة المرضى فقط، في الوقت الذي كان ينطلق فيه جميع أفراد القبيلة إلى الخارج من أجل الصيد والحصاد، كان الشامان رجلَ الطب والوسيط الروحي والقاضي والمفكر والساحر، هذا إلى جانب وظيفته بصفته طبيبًا نفسيًّا. كانت السلوكيات الشاذة تشكل خطرًا على القبيلة ومستقبلها، لذا كانت مهمة الشامان تشخيصها فورًا وعلاجها، واستندت معظم التشخيصات إلى روح شريرة أو ارتكاب المحرمات، وكانت طقوس العلاج تتضمن الصوم والرقص والغناء والتعرق والحرمان من النوم والسحر، وبسبب هذه الوظيفة الحيوية كان الشامان أغنى أفراد القبيلة.

وإلى جانب الشامان كان يوجد الكهنة الذين كانوا يلعبون دور الوسيط بين الإنسان والإله، وقد عمل الكاهن طبيبًا نفسيًّا لوقت طويل، وكانوا يرجعون السلوك الشاذ إلى غضب الآلهة، وظل الوضع كذلك حتى جاء “أبقراط | Hippocrates” الذي وضع فهمًا جديدًا للطب النفسي بعيدًا عن الطقوس الكهنوتية، إذ أوضح أن علاج السلوكيات الشاذة يأتي من العمليات الطبيعية، وليس العمليات الخارقة للطبيعة والسحر والشعوذة، وقسم المرضى ثلاث مجموعات، وهو تقسيم راسخ في الطب إلى اليوم، المجموعة الأولى: لا يُعطى لهم علاجًا لأنهم يتحسنون مع الوقت والعلاج يضرهم. المجموعة الثانية: يُعطى لهم العلاج المناسب. المجموعة الثالثة: تقدم لهم المواساة والعون دون العلاج.
بعد سقوط روما في القرن الخامس الميلادي وحتى أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، دخلت أوربا في العصور المظلمة، وهي فترة كانت بالنسبة إلى المرضى النفسيين أسوأ الأزمنة والأماكن، إذ كان يُشخص المرضى النفسيون على أنهم مسكونون بقوًى شيطانية خطيرة يلزم تدميرها، ومن جرَّاء ذلك تلقى المرضى النفسيون جميع أشكال التعذيب والتنكيل، التي كانت تصل إلى قتلهم!
لكن الجانب البيولوجي لم يختفِ بشكل نهائي من أوربا في العصور المظلمة، فبسبب الحروب الصليبية التقى الصليبيون الغربيون الأفظاظ حضارةً طبيةً متقدمة، وهي “الحضارة الإسلامية”، منذ اليوم الأول رحّب الإسلام بعجائب الكشوفات العلمية لفهم الله ومعرفة ومقاصده، لذا كانت الحضارة الإسلامية مركزًا للمعرفة والتقدم بلا منازع، فالمسلمون أول من أدخل العلوم التجريبية الكمية مستفيدين من نظامهم العددي الذي أصبح النظام العالمي الآن، فاخترعوا الجبر، والهندسة الكُروية، وعلم المثلثات وغيرهم، ومن خلال هذا النهج التجريبي نقل المسلمون الطب النفسي إلى مستوًى متطور من التشخيص، والسبب الرئيس لهذا التقدم الذي حققه المسلمون في مجال الطب النفسي هو “القرآن” الذي يمتلك نظرة ثاقبة حول المرض النفسي، بعيدًا عن الشياطين المشوهة في التعاليم اليهودية والمسيحية والإغريقية والرومانية.
الفكرة من كتاب إنقاذًا للسواء.. ثورة مُطلع ضد تضخم التشخيصات النفسية DSM-5، شركات الأدوية الكبرى، وتحويل حياة السواء إلى حياة مرضية
يرى آلن فرانسيس أنه في الوقت الذي يشعر فيه مواطن في آسيا أو إفريقيا أن بلاده متأخرة في مجال فهم علل النفس البشرية والطب النفسي، يوجد مواطن آخر في الولايات المتحدة وأوربا يتلقى تشخيصًا كاذبًا، ويأخذ علاجًا دون الحاجة إليه بسبب ترويج أمراض زائفة، الهدف من ورائها تحقيق الربح لشركات الأدوية الكبرى، لذا يؤكد المؤلف أهمية وضع حد فاصل بين المرض والسواء للحفاظ على حياة الأشخاص الطبيعيين والأسوياء، فليس كل حزن يعد اكتئابًا، وليس كل طفل كثير الحركة يُشخص بأنه مصاب بفرط الحركة وتشتت الانتباه، ويحذر المبالغةَ في تشخيص السواء، فالمجتمعات ليست غالبيتها مريضة، بل العكس.
مؤلف كتاب إنقاذًا للسواء.. ثورة مُطلع ضد تضخم التشخيصات النفسية DSM-5، شركات الأدوية الكبرى، وتحويل حياة السواء إلى حياة مرضية
آلن فرانسيس: هو أستاذ فخري ورئيس سابق لقسم الطب النفسي والعلوم السلوكية في كلية الطب بجامعة ديوك، ترأس فريق عمل الدليل التشخيصي والإحصائي الرابع DSM4، وكان مساعدًا مع المجموعة الرئيسة للدليل التشخيصي والإحصائي الثالث DSM3، من مؤلفاته:
Differential Therapeutics
Your Mental Health
Essentials of Psychiatric Diagnosis
معلومات عن المترجم:
سارة اللُّحَيْدَان: مترجمة سعودية، من ترجماتها:
نضال من أجل الرحمة: بناء التعاطف داخل عالم ممزق.
الأسس الثقافية للتحليل النفسي السياسي.