مِن البقاء للأصلح إلى البقاء للأقوى رقميًّا
مِن البقاء للأصلح إلى البقاء للأقوى رقميًّا
لو كان العالم البيولوجي داروين حيًّا يرزق بيننا اليوم، لغيّر جملته الشهيرة “البقاء للأصلح” إلى “البقاء للأقوى رقميًّا”، فعندما ننظر حولنا نرى أن الدول الكبرى تتسابق لامتلاك أسلحة رقمية أقوى من بقية العالم. وفي ظل ثورة التكنولوجيا الرقمية، أصبح التجسس أمرًا إجبارًيًّا واقعيًّا تطول يداه الجميع بلا استثناء، وباتت الخصوصية مهددة بالانتهاك المستمر من عديد من الأطراف سواء الدول أم شركات التقنية الكبرى أم الحكومات أم حتى المعلنين، وعلى الرغم من أن الخصوصية حق أساسي من حقوق الإنسان وضرورة لبقاء الديمقراطية لحضارتنا حسب مواثيق جمعية الأمم المتحدة، فإن الدول الكبرى لا تهتم وترى المواثيق مجرد حبر على ورق.
نحن نتنازل عن خصوصيتنا برغبتنا، فالمنتجات الرقمية تغرينا باستخدامها والموافقة على شروط مصنعيها ومبرمجيها، فندخل القفص ونصبح تحت الكاميرا، مستقبلين طوال اليوم الخدمات التجارية وخاضعين للاستغلال السياسي والأمني، بل وحتى الأقمار الصناعية التي تزودنا بالمعلومات هي أيضًا جزء من نظام مراقبة كل زاوية في العالم.
وما يترتب على ذلك من تأثيرات في الأفراد هو التدجين، إذ نوضع في دورة حياة عبارة عن “أنفق، ثم استهلك، ثم احصل على مزيد من المنتجات والخدمات”، إذا اتبعت التعليمات فستُكافأ، وأي خروج عن الإطار ستقابله عقوبة، يمكن اعتبار هذا الأمر لعبة تمارس على مستوى العالم، وكلنا مشاركون فيها، بهويات مختزلة رقميًّا، قد تكون مؤشراتك الحيوية أو الجسدية الخارجة من أجهزة الصحة الرقمية كالساعة التي تضعها، هي ما تحدد من تكون في اللعبة الرقمية.
الفكرة من كتاب العبودية مقابل الأمن – تكنولوجيات السيطرة على البشر
كَتَبَ المؤرخ جون بانْڤِيل “لا يمكن أبدًا إعاقة أي رجل عن التفكير في أي شيء يختاره ما دام يخفيه”، فهل يمكننا المحافظة على سرية ما بعقولنا في العصر الرقمي؟ وهل نستطيع من الأساس أن نتوقف عن التحدث عن أنفسنا على منصات التواصل الاجتماعي؟
تشكّل التكنولوجيا الرقمية جزءًا مهمًّا من حياتنا اليومية، فهي تساعدنا على التواصل والحصول على المعلومات بشكل أسرع وأسهل، ويناقش أغلب الخبراء أضرار التكنولوجيا الرقمية للإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي من الجانب السلوكي للأفراد، ولكن يوجد جانب أخطر بكثير من إدمان الإنترنت، وهو السقوط في العبودية والتخلي طوعًا عن الحرية. كيف يحدث ذلك؟ ولماذا؟ وكيف تقود التكنولوجيا الرقمية العالم إلى حافَة الانهيار؟ سنغوص في أعماق الجانب المظلم للتكنولوجيا لنعرف الإجابات.
مؤلف كتاب العبودية مقابل الأمن – تكنولوجيات السيطرة على البشر
ندى الربيعي: ولدت في العراق عام 1979م، وحصلت على بكالوريوس البحوث العملية عام 2003م من الجامعة الملكية الهولندية بلايدن، بالإضافة إلى ماجستير في الصيدلة عام 2008م بأوترخت في هولندا، لها باع طويل في مجال الأعمال فحصلت على جائزة سيدة أعمال هولندا لعام 2015م، واختيرت في العام التالي من ضمن أفضل مئة شخصية مؤثرة في هولندا، بجانب حصولها على الترخيص الأسود الدولي في إدارة الأعمال والمشاريع عام 2019م، ولها عدة مقالات سياسية في الشأن العام للعراق وهولندا بجانب إدارتها لعديد من الصيدليات في مناطق مختلفة بهولندا، ولا يؤثر ذلك في انخراطها في الأنشطة التطوعية المساعدة للاجئين.
عباس الزبيدي: مهندس ولد ببغداد عام 1979م، حصل على بكالوريوس الهندسة الطبية عام 2001م ثم الماجستير عام 2004م من جامعة النهرين، ثم عمل مدرسًا بكلية هندسة الخوارزمي بجامعة بغداد بجانب عمله اختصاصيًّا للرنين المغناطيسي والطب النووي، وحصل على منحة DAAD الألمانية لدراسة الدكتوراه في تخصص هندسة المعلومات الطبية من جامعة آخن التقنية