مَعبَر للبضائع ومُستقَر للأفكار.. سويسرا تلحق بعصر الديجيتال
مَعبَر للبضائع ومُستقَر للأفكار.. سويسرا تلحق بعصر الديجيتال
كانت سويسرا تقف دائمًا في المنتصف مَعبَرًا لانتقال الأفكار والبضائع من شمال أوربا إلى جنوبها، أكسب هذا السويسريين طابعًا مميزًا آخَر غير الدقة الهندسية، وهو الخِدْمات اللوجِسْتية الخاصة بنقل البضائع وتوزيعها، بالرغم من موقع سويسرا هذا، فقد كانت آخر البُلدان الأوربية تشغيلًا للسكك الحديدية، هل كان السبب النقص الكبير في موارد الطاقة؟ نعم، فبمجرد ابتكار القاطرة البخارية، ازدهرت شبكة القطارات لتصبح أكثر بُلدان أوربا كثافة في السكك الحديدية، شكلت شركات النقل النهري منافسًا شرسًا للاستثمار الجديد، وحدى هذا بالسويسريين إلى التطلع نحو أسواق وأفكار أخرى، كانت السوق العالمية تواجه صعوبات في خطوط الإمداد والتصنيع، فطورت الشركات السويسرية شبكات معقدة لتنسيق عمليات التصنيع والتجميع، ثم في النهاية الشحن إلى الموزعين.
كان هذا التأخر في قطاع السكك الحديدية سائدًا على كل مشاريع البِنى التحتية، لكن عندما بدأ هذا النشاط، كان كثيفًا بدرجة تسمح بالربح التِّجاري والاستثمار في هذه المشاريع، ولم تكن الطبيعة هذه المرة بخيلة على سويسرا كعادتها، فحين سجِّلَت براءة اختراع الخرسانة المسلحة، انتبه السويسريون إلى الثروة الخام التي كانت قابعة في جبالهم، ليقتحموا بمنتجهم الجديد الأسواق العالمية للأسمنت ومواد البناء، وعاد هذا القطاع إلى سويسرا، ومعه القطعة التي طالما عانت سويسرا من فقدانها، كانت السدود عند مصبات جبال الألب هي الحل الذي سيخرج سويسرا من قيود الطاقة.
ولحسن الحظ، لم تكن القفزة القادمة بحاجة إلى هذا القدر الكبير من الطاقة، قطعت سويسرا الرحلة الطويلة، من الآلات البسيطة التي تؤدي العمليات الحسابية الأساسية، حتى أجهزة الكمبيوتر ولغات البرمجة المتقدمة، وجذبت هذه الطفرة كبار الشركات العالمية، لفتح مراكزها البحثية في أوربا داخل سويسرا، لكن لم يبرع السويسريون في السوق كما فعلوا في المختبرات، وظلت ابتكاراتهم رهينة الأسواق المحلية، وكانت الثورة القادمة على الأبواب؛ تحولت الشركات السويسرية من صناعة الأجهزة والحواسيب المتكاملة، إلى السعي نحو تقديم أدوات جديدة إلى السوق، أدوات أكثر تخصصًا وأكثر ربحية، ويبدو أن السويسريين لا يكونون بكامل براعتهم إلا عندما يتعلق الأمر بالأشياء الصغيرة.
الفكرة من كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
كان وضع سويسرا قبل الثورة الصناعية ومستقبلها في وسط أوربا مشكوكًا فيه طوال الوقت، بلد يفتقر إلى الكثير من مقومات الحضارة، ليس لديه ثروة طبيعية يُمكن الاعتماد عليها، سلاسل جبلية تقف عائقًا أمام أي اتصال حقيقي، وتفقد البلاد الكثير من ميزات موقعها الاستراتيجي.
ربما كان غياب الهدف وانعدام الأمل في المستقبل هو ما أسس لمجتمع سويسرا الريادي؛ لا وجود لتوجيهات أو حواجز، ولا رؤية عامة تحدد اتجاه الاقتصاد، أو رعاية حكومية تستهدف قطاعات معينة، يسرد لنا المؤلف تاريخ هذه الرحلة، ويجيب عن السؤال الأهم: هل مستقبل سويسرا الريادي ملهم كماضيها؟
مؤلف كتاب صناعة سويسرية: القصة غير المروية لنجاح سويسرا
آر جيمس برايدنج: كاتب ورجل أعمال سويسري، حصل على شهادة الماجستير من كلية كينيدي بجامعة هارفارد، أسس شركة “رينيسانس كابيتال” الاستثمارية في زيورخ، كتب عديدًا من المقالات حول سويسرا لدى جريدة “ذي إيكونوميست”، وشارك في تأليف كتاب “سويسرا معجزة الاقتصاد”.
عن المترجم:
بسمة الجويني: مترجمة ومعلمة لغة عربية تونسية، وحاصلة على درجة الماجستير في الترجمة.