ميلاد المجتمعات وتطورها
ميلاد المجتمعات وتطورها
تولد المجتمعات إما بفعل التجمُّع من منطلق جغرافي كما في حال الولايات المتحدة الأمريكية التي أنشأتها الهجرات المتعددة من أوروبا وأفريقيا، أو انطلاقًا من فكرة دينية كحال الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية، كما أن المجتمع بعد ميلاده يكوِّن تقاليده وعاداته وقيمه التي تحفظ استقراره واستمراره عبر الزمن وتجبر الوافدين عليه للتكيُّف، وتبتلع أو تلفظ غيرهم؛ تُسمى هذه التقاليد والقيم التي تربط أفراد المجتمع فيما بينهم بشبكة العلاقات الاجتماعية، فتعمل موجِّهًا وناظمًا لأنشطتهم المختلفة.
ويربط مالك بن نبي بين المجتمع وسمة التغيير عبر الزمن، فالمجتمع هو الجماعة التي تسعى دائمًا إلى التغير من أجل هدف معين؛ فهو تنظيم ذو طابع إنساني له نظام معين، فيه يكمن معنى الحركة، والتطوُّر بغرض عام هو تحقيق الرقي (الحضارة)، ولحظة ميلاده هي اللحظة التي يشرع فيها بالحركة، وإحداث التغيير من أجل الوصول إلى غايته، وحركة المجتمعات هذه مدفوعة بنظرية (التحدي – الاستجابة) لأرنولد توينبي.
فالتحدِّي هو الذي يثير في نفس الإنسان ومجتمعه دافعًا للنشاط والحركة بقصد التغلُّب والاستجابة لهذا المثير (التحدي) وإحداث التغيير، لذا فإن ضمير الإنسان المسلم وُضِع بين الوعد والوعيد القرآنيين دافعًا للحركة؛ الوعد بأنه لا يأس من رحمة الله وقدرته، والوعيد بأن لا مكر أشد من مكر الله، فكانت قوة روحية لنشر الرسالة والغاية التي جاء بها الإسلام، وهذه هي الحقيقة وراء الحركة التاريخية للمجتمعات: القوى الروحية؛ المحرك الجوهري للتاريخ الإنساني.
الفكرة من كتاب ميلاد مجتمع.. شبكة العلاقات الاجتماعية
يتناول هذا الكتاب فكرة ميلاد المجتمعات والظروف التي تنمو وتتطوَّر فيها إلى أن تصل إلى مرحلة الشيخوخة، وكعادة مؤلِّفه يمسك بزمام مصطلحاته ومفاهيمه فيُعِدُّ منها نسيجًا تحليليًّا يفكِّك من خلاله أبعاد موضوعه، وتكمن أهمية هذا الكتاب في اقترابه بصورة عملية من واقع مجتمعاتنا في الوقت الراهن، كما يبصِّرنا بالصيرورة التاريخية للمجتمعات وشروط بعثها انطلاقًا من حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “لا يصلح حال آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها”.
مؤلف كتاب ميلاد مجتمع.. شبكة العلاقات الاجتماعية
مالك بن نبي: مفكر إسلامي جزائري، ولد في الـ28 من يناير عام 1905، تتميَّز سلسلة كتاباته عن الحضارة ومشكلاتها، بعمق تحليلها الاجتماعي والنفسي الذي يجمع بين استيعاب ما توصَّل إليه الفكر الغربي من تفسير الحضارة وعوامل قيامها وسقوطها وبين العقلية الإسلامية التي تستمدُّ نبعها الصافي من الأصول الإسلامية الأساسية.
تُوفِّي مالك في الـ31 من أكتوبر 1973 بعد نضال فكري أنتج خلاله ما يناهز ثمانين مؤلفًا بالعربية والفرنسية؛ منها: “الفكرة الأفريقية الآسيوية”، و”تأمُّلات في المجتمع العربي”، و”فكرة كومنولث إسلامي”، و”إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي”، و”المسلم في علم الاقتصاد”.