موقف زنكي مع الصليبيين
موقف زنكي مع الصليبيين
قرر زنكي البَدء بالهجوم على المواقع الصليبية منذ عام 524هـ، وأولها كان حصن الأثارب بسبب ما سبَّبه من أضرار بالفلاحين المسلمين وغاراته المستمرة، واستطاع بعد معركة قاسية هزيمة الصليبيين وفتح الحصن ثم الاستيلاء على حارم الواقعة على طريق أنطاكية، وفي عام 529هـ استطاع الاستيلاء على مواقع صليبية مهمة أخرى ككفر طاب وتل أغدي، ثم عزم على مهاجمة حصن بعرين الصليبي فتقدم إليه الصليبيون بقيادة فولك ملك بيت المقدس وريموند كونت طرابلس، وانتهت المعركة بانتصار المسلمين وأسر ريموند، وإعلان الصلح مع أصحاب الحصن مقابل دفعهم مبلغ خمسين ألف دينار لزنكي.
تسبَّب الانتصار الكبير لعماد الدين على الصليبيين في تدخل الإمبراطورية البيزنطية للتصدي له، حيث قام الإمبراطور البيزنطي يوحنا كومنين بالزحف نحو أنطاكية لإخضاعها لسيطرته وإقامة تحالف بالقوة مع أميري الرها وأنطاكية الصليبيين أدى إلى حملة صليبية كبرى اتجهت نحو حلب التي استعد أميرها “سوار” بالتحصين وحفر الخنادق، وأظهرت حلب صمودًا كبيرًا دفع الصليبيين إلى الانسحاب والتوجه إلى شيزر، ولم يصدق أحد أن هذه القوات الصليبية الضخمة ستضطر إلى الانسحاب مرة أخرى عام 532هـ، ليتجه عماد الدين بعد ذلك نحو أكبر حدث وإنجاز في حياته وهو فتح إمارة الرها.
كانت إمارة الرها ذات أهمية استراتيجية كبرى وهي خط الدفاع الأول عن بقية الإمارات الصليبية في الشام، وكان يحكمها الأمير جوسلين الثاني، ورأى زنكي تنفيذ خطة ذكية، إذ اتجه نحو آمد مُظهرًا أنه ينوي حصارها وانخدع جوسلين بذلك وخُيِّل إليه أن عماد الدين منشغل عن الصليبيين بحروبه في ديار بكر، فاتجه جوسلين نحو تل باشر الواقعة على الفرات للاستيلاء عليها، ليتجه زنكي بقواته سريعًا لمحاصرة الرها وكان ذلك في عام 539هـ، واستطاع بعد شهر من الحصار دخول الرّها بعد استسلامها.
الفكرة من كتاب السلطان الشهيد عماد الدين زنكي
لم يكن المشروع الإسلامي الذي حقَّقه صلاح الدين الأيوبي ومن قبله نور الدين زنكي إلا استكمالًا لما بدأه قائد مُسلم وسياسي بارع يُدعى عماد الدين زنكي، إذ بدأ الأمر من مدينة لم يتوقع أحد أنها ستكون يومًا ما الانطلاقة نحو توحيد مصر وبلاد الشام وتحرير الأقصى، وهي مدينة الموصل.
وفي الوقت الذي ضعفت فيه البلاد الإسلامية وتفكَّكت حتى اعتبرت كل مدينة نفسها دولة تحارب جارتها المسلمة، يخرج هذا الأمير أو كما عُرِف بالأتابك، من إمارته الصغيرة نحو مشروعه الضخم الذي سيشهد نجاحًا غير مسبوق استحق تحرير الأقصى!
مؤلف كتاب السلطان الشهيد عماد الدين زنكي
علي محمد محمد الصلابي: فقيه ومؤرخ ومحلِّل سياسي ليبي الجنسية، نال درجة الماجستير في أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن، كما حصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية.
له العديد من المؤلفات منها: “دولة السلاجقة: موسوعة الحروب الصليبية”، و”الشورى فريضة إسلامية”، و”صفحات مشرفة من التاريخ الإسلامي”، و”فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب”.