موتٌ أسود
موتٌ أسود
إن من الطبيعي أن تعمل الجينات على توريثك السمات التي تجعلك أقوى وتزيد من فرص بقائك وتكاثرك، إذًا لماذا يوجد احتمال لانتقال بعض الأمراض وراثيًّا؟ لمعرفة الإجابة يجب عليك أولًا معرفة أن الأمراض الوراثية تنقسم قسمين: أمراض عالية النفوذ، وأخرى منخفضة النفوذ، أما عالية النفوذ فهي التي تصيبك بالمرض فور وجود جينه في أي شخص، وذلك مثل: داء الصباغ الدموي (أي ترسيب الحديد)، أما الأمراض المنخفضة النفوذ فلا يوجب حملك لجينها أن تصاب بها، بل يلزم توافر مجموعة كبيرة من الظروف قبل أن يسبب هذا الجين المرض، وذلك مثل: داء السكري.
ويعد جسد الإنسان الطبيعي حصنًا منيعًا متكامل الاستعدادات لمواجهة أي أخطار أو مجابهة أي من الميكروبات أو الطفيليات أو الجراثيم، وذلك من خلال (الخلايا البلعمية | Macrophages) التي تعمل عمل أجهزة الشرطة، إذ تبحث عن أي دخيل غير مرغوب فيه وتوجهه مباشرةً إلى الجهاز الليمفاوي الذى يعمل عمل مركز الشرطة، فيدمر تلك الكائنات المتطفلة ويخلِّص الجسد من أخطارها، لكن هل يمكن أن يختل هذا التوازن؟ أجل ففي بعض الأحيان بدلًا من أن تنقل الخلايا البلعمية الأجساد الضارة، فإنها تقويها وتوجهها إلى الجهاز الليمفاوى ليقضي عليها هي الأخرى، فيهدم الجسد ويعرض صاحبه للهلاك، وهذا ما حصل عند إصابة الناس بمرض الطاعون الدَّبْلى الملقب بالموت الأسود.
ففي عام ١٣٤٧م ضرب مرض الطاعون الدَّبْلى القارة الأوربية، وحصد آلافًا بل ملايين الأرواح، إذ قيل إنه حصد ٢٥ مليون روحًا في ذلك الوقت، حتى ظن الناس أنها القيامة وأنهم لا بد فانون، لكن لم تكن تلك نهاية العالم، ومع التأمل في صفات من بقوا على قيد الحياة في ذلك المكان، اتضح أنهم كانوا مصابين أو يعانون نقصًا أو ترسيبًا في الحديد، أما أولئك الأصحاء فكانوا عرضة للإصابة بهذا الداء الفتّاك، وذلك لأنه على الرغم من أن جسد الشخص المصاب بداء الصباغ الدموي يعاني من ترسيب في الحديد، أي إن جسده يحتوي على كمية كبيرة من مخزون الحديد، فإن هناك نوعًا واحدًا من الخلايا لا تصل إليه سوى كمية ضئيلة من الحديد، أقل من المعدل الطبيعي بكثير، ألا وهي خلايا الدم البيضاء المسؤولة عن محاربة الأجسام الدخيلة، مما يمنع تكاثر وتقوية تلك الميكروبات التي تتخذ الحديد وسيلة للتسلح ضد الجهاز الليمفاوي وتفتك به، فنجد أن هذا المرض على الرغم من خُطُورته فإنه ساعد في استمرار الحياة ضد ما لُقب بالموت الأسود.
الفكرة من كتاب البقاء للأشد مرضًا، نظرة طبية فريدة تفسر سر حاجتنا للأمراض والصلة المدهشة بين المرض والبقاء
إن من مميزات البشر الأولى وأهمها على الإطلاق التطور، ألسنا نتطور يومًا بعد يوم، أليست في أجسادنا القدرة على الاستمرار على قيد الحياة، إذًا أليس من المفترض أن تساعد عملية التطور على تخليصنا من الصفات الضارة وتعزز الصفات الحميدة؟! فكيف تنتقل أمراض خبيثة عن طريق التوارث إلى الأجيال التالية؟ ولماذا نصاب بالأمراض التي تودي بنا أو تجعلنا طريحي الفراش؟ ولماذا توجد أمراض تنتقل عبر الوراثة كالسكري وداء الصباغ الدموي وغيرهما؟ وما عمل الجينات؟ ولماذا قد يبدو التبرع بالدم عاملًا على تخفيف الألم عند بعض الناس؟
يتأمل هذا الكتاب المرضَ بصورة مختلفة، فبدلًا من طرح سؤال ماهية المرض، نقف على سبب وجوده، فلماذا وجدت الأمراض؟ وهل يمكن لمرضٍ من الأمراض أن يكون عاملًا لبقاء الجنس البشري في زمن من الأزمنة؟
مؤلف كتاب البقاء للأشد مرضًا، نظرة طبية فريدة تفسر سر حاجتنا للأمراض والصلة المدهشة بين المرض والبقاء
شارون مولم: طبيب وباحث في علم الوراثة، حصل على الدكتوراه في علم الأعصاب من جامعة تورنتو الكندية، ساهم في اكتشاف عديد من الأمراض النادرة من خلال أبحاثه المهمة، كما أنه اكتشف خطًّا جديدًا من المضادات الحيوية ضد الميكروبات المقاومة للمضادات، وحاز 25 جائزة عالمية تقديرًا لإنجازاته المتنوعة، له العديد من المؤلفات، منها:
How Sex Works: Why We Look, Smell, Taste, Feel, and Act the Way We Do
Inheritance: How Our Genes Change Our Lives—And Our Lives Change Our Genes
The Better Half: On the Genetic Superiority of Women
جوناثان برنس: كاتب وممثل أمريكي ومنتج، ولد عام 1958 وشارك في إعداد هذا الكتاب.
معلومات عن المترجمة:
رغد قاسم: كاتبة ومترجمة عراقية، حاصلة على شهادة الماجستير في العلوم الطبية، كما نالت جائزة اتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق لعام 2018، ولها عديد من التراجم، منها:
هل هم أغبياء لأنهم أذكياء.
موجز تاريخ الدماغ والروح.
التمييز الجنسي والعلم.