موافقات عُمر للقُرآن
موافقات عُمر للقُرآن
ما قال الناس في شيء وقال فيه عمر إلا جاء القرآن بنحو ما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومن شواهِد هذا التأييد يوم بدر، إِذ أَسَرَ المسلمون مجموعة من مُشركي قُريش ولم يكُن بين يدي الرسول نصٌّ قُرآني بشأن الأسرى، فجمع أصحابه كعادته ليأخذ مشورتهم، وكان من بين أصحابه أبو بكرٍ وعُمر، فأشار عليه سيدنا أبو بكر أن يتركهم، وعلى النقيض كان رأي سيدنا عُمَر بن الخطاب، إذ أراد أن يضرب أعناقهم، فقام الرسول (ﷺ) ودخل خيمته ثم خرج عليهم فقال: “إِنَّ اللهَ لَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ، حَتَّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنَ اللَّبَنِ، وَإِنَّ اللهَ ليَشُدُّ قُلُوبَ رِجَالٍ فِيهِ،
حَتَّى تَكُونَ أَشَدَّ مِنَ الحِجَارَةِ، وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ كَمَثَلِ إِبْرَاهِيمَ، إِذْ قَالَ: ﴿مَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، وَمَثلَكَ كَمَثَلِ عِيسَى، إِذْ قَالَ: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾، وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ كَمَثَلِ نُوحٍ، إِذْ قَالَ: ﴿رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا﴾، وَإِنَّ مَثَلَكَ كَمَثَلِ مُوسَى، إِذْ قَالَ: ﴿ربِّ اشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾”.
فلما جاء الغد، وجد عُمر النبي وأبا بكر يبكيان، فسألهما عن خطبهما، فقال رسول الله (ﷺ) إنه رأى للذي عرضه عليه أصحابه من أخذهم الفدية من المُشركين وتركهم، أنهم بذلك يُعذَّبُون، وإن الله أنزل عليه: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾، أي: حتى يبالغ في قتال المُشركين، إذلالًا للكُفر، وإعزازًا لدين الله.
لم يَكُن هذا موقف التأييد الوحيد، فكان هُناك عديد من التأييدات الأُخرى، كأمر الحجاب، والصلاة خلف مقام إبراهيم، وتحريم الخمر، وغيرها.
الفكرة من كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب
“لَو كَانَ مِن بَعدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ”.. كيف لنا ألا نُصدِّق هذه العبارة في عُمر وقد قالها من لا ينطِقُ عن الهوى؟ قالها فيه رسول الله (ﷺ)، وكان من قبلها قد دعا: “اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسلَامَ بِأَحَبِّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إِلَيْكَ، بِأَبِي جَهْلٍ أَو بِعُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ” فكان أحبُّهما إلى اللهِ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ، وإذا بدعوةِ النبي (ﷺ) تنقلهُ من دارِ النَّدوة إلى دارِ الأَرْقَمِ!
لتبقى لنا سيرته خالِدة حتى اليوم دليلًا واقعيًّا يؤكِّد لنا ما قد يفعل الإيمان إذا نزل بقلبِ رَجُلٍ فَتَمَكَّن مِنهُ، فمن ذا الذي كان يُصدِّق أن الرجُل الذي يَصنَع من التمرِ صنمًا ليعبُده، هو نفسه الذي سيكون إسلامه فتحًا، وهجرته نصرًا، وخِلافتهُ رحمة؟ إننا هُنا بصددِ الحديثِ عن عُمَر، عُمَر هازِم كِسْرَى وقَيْصَر، ولكِنّه من قبل ذلك عُمَر صاحِب رسول الله (ﷺ)، وكفى بهذا شرفًا.
مؤلف كتاب عندما التقيت عمر بن الخطاب
أدهم شرقاوي: كاتِبٌ فلسطيني الأصل، وُلِد ونشأ في مدينة “صور” في لبنان، حصل على دبلوم التربية الرياضية ودبلوم المُعلمين من الأونيسكو، وحصل على ماجستير في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية في بيروت، أُصدِر أول كتاب له عام 2012م، ثم تلاه عديد من المؤلفات، ومنها:
للرجال فقط! مبادئ للتعامل مع النساء.
أنتِ أيضًا صحابية.
رسائل من القرآن.