مهن نسائية تندثر
مهن نسائية تندثر
لقد اطّلعنا على عدد من المهن القديمة التي اختفت أو أصبحت على وشك الاندثار، اشتركت تلك المهن في أن أبطالها كانوا رجالًا، أخلصوا لها ومنحوها من ذواتهم ومحبتهم، وبالمثل هناك أيضًا عدد من المهن عُرفت بها النساء في المجتمع المصري، مثل: الداية، والمرضعة، والخاطبة، والبلانة، والمعددة، وغيرها من المهن التي اختصت بها النساء وتغير الزمان فغابت معه كثير من هذه المهن عن الوجود، وسنتناول مهنة المعددة بوصفها واحدة من المهن النسائية القديمة التي تراجعت في المجتمع المصري.
تعود المهنة تاريخيًّا إلى عصر الفراعنة، إذ تُظهِر النقوش والبرديات الأثرية صور نساء يُحطن بالميت رافعات أيديهن بإشارات تشبه اللطم، وبعضهن تصورهن الرسومات وعلى وجوههن آثار الحزن، ومن مصر انتقلت المهنة إلى الصين القديمة ثم إيران فالهند وإيطاليا والدول العربية، وتردِّد المعددة أو العدودة في مصر رثاءً يختلف باختلاف الشخص المتوفَّى وعمره ومكانته في العائلة، وكان عمل النساء في هذه المهنة يحتم عليهن ارتداء السواد معظم الوقت، والبكاء والرثاء للأموات الذين تحضر المعددات جنازاتهم من أجل كسب المال، ويختلف العديد باختلاف الطقس الذي يُؤدَّى منذ وقت وفاة الميت حتى دفنه في قبره، فهناك عديد ورثاء للغسل والكفن، وآخر للجنازة والقبر.
وقد برزت شخصية المعددة ومهنتها في صعيد مصر أكثر من غيره، إذ تطور الرثاء والعديد إلى أن أصبحت كلماته فنًّا يعد من التراث الشعبي المُتناقَل شفهيًّا، وقد وثَّقَت بعض الأعمال الفنية المصرية مثل فيلم «الهروب» وفيلم «عرق البلح» مهنة المعددة، ويمكن توضيح هذه المهنة بأنها مساعدة لأهل الميت على البكاء من خلال ذكر خصاله وصفاته، وفي حديث صحفي شرحت امرأة من غانا تمارس مهنة الندب أو العديد أنها تساعد الناس الذين “لا يعرفون كيف يبكون”، وتتقاضى الأموال مقابل تلك المهنة التي اختارت بنفسها أن تؤديها.
الفكرة من كتاب حاجات قديمة للبيع
مهما كُتب عن التراث المصري ومخزونه الثقافي والشعبي فلن يُعبِّر المنتمون إلى ثقافات مختلفة عنه مثلما تفعل الكتابة المحلية، ومن هنا تأتي أهمية القراءة عن مجتمع ما وفهمه من منظور شخصي، فهي القراءة الأجدر بالوصول إلى من يبحث عن خيوط الحكايات التي نسجت التراث الشعبي، وهذا الكتاب بمنزلة رحلة بين مهن للمصريين أصبحت الآن مجرد لمحات من الماضي، خَفَتَت أهميتها مع ذهاب زمانها ومعاصريها، واستحداث مهن وأعمال ومتع جديدة تلائم تغير الزمان، سنطلع على بعض هذه المهن وطبيعة نشأتها وأهميتها وكيف اختفت أو أضحت على وشك الاختفاء.
مؤلف كتاب حاجات قديمة للبيع
منى عبد الوهاب: ولدت في عام ١٩٩٨م، وتخرجت في قسم اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب، تعمل حاليًّا مسؤولة العلاقات العامة والإعلام بمؤسسة مزيج الثقافية، وهي مقدمة البرنامج الثقافي «سين وميم»، وتدور اهتماماتها في فلك موضوعات الأدب وتاريخ الشارع المصري وقضايا المرأة في المجتمع.