من قلب إلى قلب.. أعذب الكلام أصدقه
من قلب إلى قلب.. أعذب الكلام أصدقه
إن أولئك العلماء الذين كتبوا وأذهانهم فارغة من القيود والتكاليف، فلا يظنون في أنفسهم بيان الأدباء، ولا يرون في لغتهم جزالة أو بلاغة، هم من ينتجون أدبًا صادقًا أولى بالاحتفاء، وهم كذلك يخرجون من نمط الأسلوب الواحد والتراكيب المتشابهة، فاللغة خادمة لموضوعاتهم، ليست زينتها هي المقصد، إن أتت طواعية فلا ضير، لكن إن لم تتأتَّ الموسيقى والمحسنات فلا كلفة ولا مشقة، وقد تجد الكاتب الواحد يختلف أسلوبه باختلاف الموضوع الذي يعالجه، فتراه يُجهد قلمه وقارئه إذا تولى موضوعًا يتعلق بالأدب، ويفرض على كتابته السجع والبديع، أما إذا تعرض لهمٍّ يعاصره فيؤرخ ويسرد، أو لعلمٍ يدرسه فينقل ويعلق، تتأتى له الألفاظ والمعاني، وتنتقل تلك الشرارة من قلبه إلى الورق، فيُشرك قارئه معه وينبض النص بالحياة ويَخلد، ولغرابة هذا الصنف عن مواضيع الأدب ومدوناته، لم يُعتنَ به العناية الواجبة، وظل منثورًا في كتب الحديث والسيرة، مهجورًا في كتب التاريخ والتراجم، بعيدًا عن عيون طلاب الأدب والمعنيين باللغة، ليس المقصود هنا هو القول بإهمال الكتب ذات الموضوعات الأدبية، لكن التنبيه لجدارة غيرها بأن يكون مُمثل أدب اللغة الخالدة.
وتمتاز الأدبيات الدينية بأنها تورث صاحبها صفاءً في النفس وعذوبةً في الروح، فكأنما كلماته ونفثاته مرآة لروحه، صادقة في معانيها ومشاعرها، وعلى رأس هذا الصنف نجد في الأدعية المروية عن رسول الله ﷺ معانيَ سامية وصدقًا وإخلاصًا لا يُجاورها فيه نوعٌ آخر من الأدب الذاتي أو أدب الرسائل، فقد أودع فيها النبي ﷺ مناجاته ولوعته وصريح مشاعره، وغير ذلك فهي منطوقة بلسان عربي شريف جرى عليه الوحي الإلهي، وتصرف فيها بيان عذب بليغ، فإذا قُرِئت مناجاته ﷺ عقب سفره إلى الطائف، وقع في قلب القارئ حال النبي وشعر بما لاقاه به القوم من عنتٍ وصدٍّ، وبالتأمل في هذه الأدعية نلاحظ أن الأدب والبيان لم يكونا المراد بأي حال، لكنهما جاءا بلا كلفة، مصداقًا للشعور المخلص والغاية الصادقة.
الفكرة من كتاب نظرات في الأدب
عرفت الأمة الإسلامية أبا الحسن الندوي داعيةً ومفكرًا إسلاميًّا، وبلغت شهرته الآفاق مع صدور كتابه “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟”، ربما التفت البعض إلى بلاغته وحسه الأدبي في مؤلفاته، لكن ظل هذا الجانب من شخصيته مجهولًا وراء لثام الداعية والمفكر، وهو في هذا الكتاب يكشف عن هذا الجانب، فنراه يدمج ذوقه الأدبي مع أدوات المفكر ومنهجيته النظرية في مراجعة تاريخ الأدب العربي في عصور توهجه وانحطاطه، ثم يؤسس لنظرية أدبية جديدة، يضع فيها نماذج الأدب ومراجعه المُتبعة في الميزان، ليلفت أمته وينبهها لأدب آخر مجهول أهمله الدارسون، فقط لأن أصحابه لم يقولوا عنه أدبًا.
مؤلف كتاب نظرات في الأدب
أبو الحسن الندوي: مفكر إسلامي وداعية هندي، ولد بقرية تكية عام 1914م وينتهي نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب، درس القرآن والحديث والتفسير في ندوة العلماء بكلية دار العلوم، ثم بدأ عمله بها مدرسًا للتفسير والأدب العربي، أسس العديد من الحركات والمؤسسات الدينية، مثل حركة “رسالة الإنسانية” و”المجمع الإسلامي العلمي”، حصل على جائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام. من أهم أعماله:
ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟
مختارات من أدب العرب.
رجال الفكر والدعوة في الإسلام.
قصص النبيين للأطفال.