من عُقدة الرقص إلى الانتشار

من عُقدة الرقص إلى الانتشار
كان تيك توك سيئ السمعة بين الفئة الأكبر سنًّا من المراهقين، ورغم أن شركة ByteDance كانت تنفق نحو مليار دولار سنويًّا في الإعلانات على السوشيال الميديا، فإن حملتها جاءت بنتيجة عكسية، إذ كان اليوتيوبرز يرون مقاطعه (كرينج | Cringe) ومحرجة ومثيرة للغثيان، وخصوصًا تلك المقاطع الترفيهية التي يصورها المراهقون، وحتى عام 2020 كانت النظرة السائدة للتطبيق بين الفئة الأكبر سنًّا أنه تطبيق للخاسرين وغير اللائقين اجتماعيًّا.

ولكن مع قدوم جائحة كوفيد-19 ومع حالة الإغلاق العام، اضطر الناس للبحث عن وسائل للتسلية وتضييع الوقت على الإنترنت، وكان تطبيق تيك توك هو العلاج الأمثل للملل، لخفته ومحتواه القائم على الترفيه ومقاطع الفيديو، وهذا هو السبب العجيب لانتقال من اعتاد السخرية من التطبيق ووصفه بالكرينج إلى محب له، ليصبح بعد ذلك منصة مختلفة المحتوى؛ لم تعد تقتصر على الرقص والغناء بل تنوع وشمل محتويات متعددة، مثل: تقديم النصائح الحياتية والمصنّفة ضمن هاشتاج AdviceTok، ومحتوى تعليمي للمذاكرة أو النصائح المهنية تحت هاشتاج LearningOnTiktok، وغيرها المهتم بالصحة والوزن وكذلك المحتوى السياسي. إذًا كيف وجد كل هؤلاء الناس كبارًا وصغارًا تطبيق تيك توك مسليًا إلى حد الإدمان؟ وما الذي جعل باقي التطبيقات تحاكيه وتستخدم الـ Reels والـ Shorts؟
دعونا نقترب من محتوى تيك توك الأكثر شهرة، وهو فيديوهات الفشل التي عند مشاهدتها تشعر بشعورين مختلفين؛ الأسى لتعرض شخص ما لأمر محرج أو مثير للعار، والضحك على كيف خرج الأمر عن السيطرة وحدث هذا الفشل للشخص المسكين، لكن في السنوات الأخيرة ظهر نوع من الضحك به خزي أعمق اسمه كوميديا الكرينج، كأن يؤدي شباب حركات بهلوانية أو يغطون أنفسهم بالدقيق والصلصة، وقد يتعرضون للإيذاء لأن ذلك كوميدي أو من ضمن التحديات! وهناك الكثير ممن خسروا حياتهم بسبب التحديات الغريبة مثل تحدي الـKiki أي الترجل من السيارة وهي مسرعة للرقص، وتحدي تناول عقار بينادريل بكميات كبيرة، وهذه التحديات جعلتنا نخسر الكثير من قيمنا وأزالت الكثير من الحواجز حول ما هو صحيح وما هو خطأ، والدافع هنا لفعل هذه التحديات غريزةُ حب الوجود في محيط اجتماعي حتى لو فقدنا شيئًا من قيمنا، فذلك أفضل من الشعور بالاغتراب، أو ما يسمى بمتلازمة FOMO
الفكرة من كتاب متلازمة تيك توك: كيف يغير تطبيق واحد العالم من حولنا؟
تطبيق تيك توك، ليس كباقي التطبيقات على جوالك أو جوالات أصدقائك، فبعض الدول كالهند وباكستان والصومال قد حظرته داخل بلادها، وحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حظره في الولايات المتحدة الأمريكية بسبب مخاوف على الأمن القومي، وفي معركة طوفان الأقصى اعترف الاحتلال الإسرائيلي بصعوبة موقفه الدولي خصوصًا على منصة تيك توك!
مهلًا مهلًا، أليس التطبيق عبارة عن بعض الأغاني وبعض الرقص والتكبيس، وبعض المقالب والتحديات، وبعض المحتوى الترفيهي والتعليمي، وهكذا هو الأمر؟ أليس أيضًا أداة للنجاح والشهرة السريعة؟ فما علاقته بالحرب السياسية بين الإدارة الأمريكية ونظيرتها في الصين؟ ولماذا هذا الحظر من دول شرقية وغربية؟ وما آثاره النفسية والاجتماعية؟ وكيف غير تصورات المستخدمين ذهنيًّا ودينيًّا؟ وما مخاطره الحقيقية؟ وكيف له أن ينتشر كل هذا الانتشار ويُغير العالم؟ هذا ما سنعرفه في هذا الكتاب.
مؤلف كتاب متلازمة تيك توك: كيف يغير تطبيق واحد العالم من حولنا؟
إسماعيل عرفة: كاتب وصيدلي مصري، تخرَّج في كلية الصيدلة بجامعة الإسكندرية في عام 2018م، وهو باحث ومترجم مهتم بقضايا الإلحاد الجديدة والشبهات حول الإسلام، له عديد من التقارير والمقالات في عديد من المنصات المهتمة بالقضايا العقدية والفكرية. له مؤلفات عدة، من أشهرها:
رسائل ما قبل الانتحار.
الإباحية الجنسية: حان وقت سداد الفاتورة.
عصر الأنا: كيف تنتشر الفردانية بين الشباب العربي؟
لماذا نحن هنا؟ تساؤلات حول الوجود والشر والعلم والتطور.
الهشاشة النفسية: كيف صرنا أضعف وأكثر عرضة للكسر؟